التحكيم فى العقود الادارية
للمستشار / عبد الرحيم ابو المجد احمد
هيئة قناة السويس
* إزاء التطورات العالمية والمتغيرات الاقتصادية فى كل أنحاء العالم ، فقد بات التحكيم وسيلة ناجزة – وبحق – لانهاء وحل القضايا المختلفة التى بات القضاء ينوء بحملها، وباتت تلك الا نزعة تثقل كاهلة وتعوق مسيرة التنمية وتمثل عقبة كؤود تحول دون تقدم المجتمعات اقتصاديا واجتماعيا.
* اذ يسبب التراخي فى حل المشكلات القانونية التى تتمخض عن مباشرة الأنشطة التجارية والاقتصادية ، فضلا عن عدم ثقة المستثمر الاجنبى فى القضاء الوطنى لدولة ما وخوفه من شبهة المجاملة للوطني على الاجنبى ، بسبب كل بحجم المستثمرون ورجال المال عن القدوم واستثمار أموالهم فى مشروعات تنعكس إيجابا على تقدم الأوطان.
* وحسنا فعل المشرع المصرى اذ سايرا بذلك دولا اخرى متقدمة أخذت بنظام التحكيم لحل المنازعات ، وبدأت الدول العربية تحذو حذوها بل ان بعضها قد سبق مصر فى ارتياد ذلك السبيل وانتشرت مراكز التحكيم فى كل دول العالم وفى المنطقة العربية ومصر.
* وعليه فقد اصدر المشرع المصرى القانون رقم 27 لسنة 1994 فى شان التحكيم فى المواد المدنية والتجارية والذى يتضمن سبعة ابواب تضم 58 مادة.
* والبين الواضح ان قانون التحكيم المصرى الجديد مستوحى من القانون النموذجى الذى يتكون من 36 مادة .
* ويطبق قانون التحكيم المصرى الجديد على كل تحكيم تجارى ، معطيا تفسيرا واسعا لمفهوم التجارة (م2 من القانون) .
* كما توسع فى مفهوم الدولية فى التحكيم (م3) فبينما اعتمد هذا القانون للتفرقة بين التحكيم الدولى والداخلى مقياس المركز الرئيسى لاعمال كل من الطرفين جاء القانون النموذجى واعتمد مقر عمل طرفى الاتفاق.
*ولكن القانون المصرى وبعد ان فرق بين التحكيم الداخلى والتحكيم الدولى لم يرتب على هذه التفرقة اى نتيجة من النتائج التى ترتبها قوانين التحكيم التى بين التحكيم الدولى والتحكيم الداخلى .
* والنتيجة الوحيدة التى رتبها القانون المصرى على تلك التفرقة هى تحديد المحكمة المختصة بتعيين المحكمين عند الخلاف على تعيين احدهم والمحكمة المختصة فى ابطال الحكم التحكيمى وتلك المختصة بإعطاء صيغة التنفيذ فهذه المحكمة هى فى التحكيم الداخلى المحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع بينما فى التحكيم الدولى هى محكمة استئناف القاهرة.
* ورغما على ان قانون التحكيم المصرى الجديد خطوة متقدمة وقفزة للإمام الا انه قد جاء خلوا من النص صراحة على جواز التحكيم فى العقود الادارية؟
* ورغم ان المبدأ الذى تتباه المشرع المصرى فى قانون التحكيم الجديد هو انه ما لا يجوز فيه الصلح لايجوز فيه التحكيم (م 11 من القانون) .
* الا انه لا تلازم بين القابلية للصلح وجواز التحكيم فهناك منازعات يجوز فيها الصلح ولكن قابليتها للتحكيم مازالت موضع خلاف ومثالا لذلك العقود الادارية وهى منازعات لايجوز فيها الصلح ولكن هل تقبل هذه العقود التحكيم ام لا ؟
** شجر الخلاف حول هذه المسألة – قابلية العقود الادارية للتحكيم من عدمه مما اضطر المشرع للتدخل حسما لذلك الخلاف فاصدر تعديلا لقانون التحكيم فى 13 مايو 1997 نص فى مادته الاولى على ان:-
- تضاف الى المادة 1 من قانون التحكيم فى المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون 27 لسنة 1994 فقرة ثانية نصها كالاتى:
” بالنسبة لمنازعات العقود الدارية يكون الاتفاق على التحكيم بموافقة الوزير المختص او من يتولى اختصاصه بالنسبة للأشخاص الاعتبارية العامة ولا يجوز التعويض “.
* واذا كان من المستحب اللجوء الى التحكيم اتفاقا لتسوية منازعات هذه العقود وتتمسك به اطراف المعاملة فى حالات عديدة كسبا لمزايا أسلوب التحكيم خاصة بالنسبة لقضايا ومنازعات التجارة والاستثمار على الصعيدين الوطنى والدولى .
*لذا فقد رؤى ادخال هذا التعديل بالاضافة الى المادة 1 والتى تقرر صراحة جواز الاتفاق على التحكيم فى منازعات العقود الادارية ومحددا السلطة الادارية التى يناط بها اجازة هذا الاتفاق واعتماده وضمانا لوفاء التحكيم باعتبارات الصالح العام.
* وقد ابتغت الحكومة من هذا التعديل أمران:-
- تفسير المادة الاولى من القانون 27 لسنة 1994 مؤكدة على جواز التحكيم فى العقود الادارية.
- التعديل بالاضافة لتحديد السلطة المختصة المناط بها الاذن بالتحكيم فى هذا النوع من العقود والنص على انه الوزير المختص او من يتولى اختصاصه بالنسبة للأشخاص الاعتبارية العامة وعدم جواز التفويض فى ذلك.
*وبذلك فقد اصبح من الضرورى توافر شرطين لجواز التحكيم فى العقود الادارية.
الاول : موافقة الوزير المختص او من يقوم مقامه بالنسبة للأشخاص الاعتبارية العامة .
الثانى : عدم جواز التفويض فى ذلك .
*وقد بررت المذكرة الايضاحية لمشروع القانون اشتراط موافقة الوزير المختص على تضمين العقد شرط التحكيم بقولها” الوزير المختص هو الجهة التى يرخص لها بإجازة اتفاق التحكيم واعتماده ضبطا لاستعمالها وضمانا لوفاء اتفاق التحكيم باعتبارات الصالح العام.
* والواضح من كل هذا ان التعديل جاء وفاءا لفتوى الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع الصادرة فى 18/12/96 والتى ورد بها ” ان شمول التحكيم او عدم شموله لمنازعات العقود الادارية لا تتعلق فقط بما اذا كان قانون التحكيم يسع هذه العقود او لا يسعها إنما يتعلق ايضا بصحة شرط التحكيم من حيث توافر كمال اهلية إبرامه لمن يبرمه فى شان غيره او ماله”.
* كما ان النص على عدم جواز التفويض فى السلطة المقررة لاعتماد شرط التحكيم واللجوء اليه إنما يرمى الى اهمية تلك العقود الادارية وخطورة التحكيم شرطا او مشارطة التحكيم فيها ضمانا لعدم إساءة استخدام التحكيم فى العقود الادارية لما يستتبع ذلك من استبعاد تطبيق القانون الوطنى والالتجاء الى التحكيم عوضا عن قضاء الدولة المختص .
* كما ان النص على عدم جواز التفويض يستتبع حصر المسئولية عن تضمين العقود الادارية للتحكيم – شرطا او مشارطة – او مشارطة التحكيم ولاسيما المسئولية السياسية وترك ذلك لاعتبارات المؤاتمة وخاصة عندما يكون فى ذلك مساس بالمصالح العليا للدولة .
* وقد اكد المشرع مبدأ جواز التحكيم فى العقود الادارية بمقتضى القانون رقم 89 لسنة 1998 فى شان المناقصات والمزايدات عندما نص فى المادة 42 على انه :
” يجوز لطرفى العقد حدوث خلاف اثناء تنفيذه الاتفاق على تسويته عن طريق التحكيم بموافقة الوزير المختص مع التزام كل طرف بالاستمرار فى تنفيذ التزاماته الناشئة عن العقد”.
*وهكذا اصبح التحكيم طريقا من الطرق الناجعة التى يمكن ارتيادها لحل المنازعات المختلفة الناجمة عن تنفيذ العقود الادارية بما يستتبع اعتبار التحكيم وسيلة ناجزة لحل تلك المنازعات لأهميتها ، ولزومية فض المنازعات الناجمة عنها بسرعة ويسر لاتصالها وضرورتها لدوام سير المرافق العامة للدولة .
والله من وراء القصد ،،،،،،،
بقلم
(عبد الرحيم ابو المجد احمد)
المحامى
بالنقض والمحكم التجارى
عضو اتحادي المحامين العرب
والا فرو اسيوى