التحكيم فى عقود البترول
دكتور
سراج حسين ابو زيد
مدرس القانون الدولى الخاص
كلية حقوق بنى سويف- جامعة القاهرة
تمهيد: لقد انتشر الاخذ بنظام التحكيم وكثر الالتجاء اليه كوسيلة لتسوية المنازعات الناشئة عن المعاملات التجارية ، وبصفة خاصة تلك الناشئة عن عقود التجارة الدولية . وكان من أوائل هذه العقود وأهمها عقود البترول المبرمة بين الدول المنتجة (او الأجهزة التابعة لها)والشركات الاجنبية العاملة فى هذا المجال ، حيث يدل استقراء العديد من عقود البترول –خصوصا فى منطقة الشرق الاوسط – على اتجاه يكاد يغدو ظاهرة مشتركة هو الاخذ بنظام التحكيم لتسوية المنازعات التى يمكن ان تنشأ عنها بين الاطراف . ولكن السؤال الذى يثور هو لماذا يلجأ اطراف هذه العقود الى الاخذ بنظام التحكيم ؟
مبررات اللجوء الى التحكيم فى عقود البترول:
قيل فى الاخذ بنظام التحكيم فى عقود البترول بعدة مبررات يمكن ان نوجزها فيما يلى :
- ان الالتجاء الى التحكيم اقل فى التكاليف وأسرع فى الاجراءات من الالتجاء الى القضاء الوطنى . بيد ان هذا القول ليس صحيحا على إطلاقه . فمن ناحية التحكيم اكثر كلفة من القضاء حيث يدفع الاطراف أتعاب المحكمين بينما يأخذ القاضى أجره من الدولة .ومن ناحية اخرى قد تستمر بعض المنازعات امام المحكمين بضع سنوات . ويمكن ان نذكر على سبيل المثال النزاع الذى ثار بين حكومة السعودية والشركة العربية الأمريكية للزيت (ارامكو) . فقد استمر هذا النزاع امام المحكمين منذ عام 1955 الى حين صدور الحكم فى عام 1958.
- ان الفصل فى المنازعات الناشئة عن عقود البترول تحتاج الى مؤهلات علمية وفنية خاصة نظرا لتعلقها بمسائل فنية بحتة . فبدلا من عرضها على محكمة قضائية تحيلها فى اغلب الاحيان الى خبير لابداء الرأى الفنى فيها يكون من الأفضل عرضها على محكمين تتوافر فيهم هذه المؤهلات.
غير ان ما يحدث فى الواقع العملى على خلاف ذلك تماما , ففى كل المنازعات التى نشأت بصدد عقود وتم اللجوء فيها الى التحكيم ، واختيار الاطراف كمحكمين فقهاء ورجال قانون بارزين وليسوا خبراء فى صناعة البترول.
- ان التحكيم يعتبر بمثابة تامين للشركات الاجنبية المتعاقدة ضد التعديلات التشريعية المفاجئة التى قد تخل بالتوازن الاقتصادى للعقد ، وخاصة عندما يكون المحكم مفوضا من قبل الاطراف للفصل فى النزاع وفقا لقواعد العدل والانصاف ، لان المحكم فى هذه الحالة لا يلتزم بتطبيق قانون دولة معينة .
- انعدام ثقة الشركات الاجنبية فى القضاء الوطنى للدول المنتجة فهذا القضاء يعتبر – من وجهة نظر هذه الشركات – قضاءا غير محايد بالنسبة للمنازعات التى تكون الدولة او احد الأجهزة التابعة لها طرفا فيها مع طرف اجنبى .
ويبدو لنا ان انعدام ثقة الشركات الاجنبية فى القضاء الوطنى للدول المنتجة للبترول ، وكذلك رغبتهم فى التهرب من تطبيق قوانينها الوطنية ، هما المبرران الرئيسيان لحرص هذه الشركات على الالتجاء الى التحكيم فى تعاملها مع الدول المنتجة للبترول.
بعض المشكلات الخاصة بالتحكيم فى عقود البترول:
يثير التحكيم فى عقود البترول عدة مشاكل قانونية خاصة يمكن ان نوجزها فيما يلى
اولا : تحديد نوعية التحكيم المتفق عليه بصدد عقود البترول.
ثانيا بيان مدى اهلية الدولة والأشخاص العامة فى الاتفاق على التحكيم .
ثالثا : مدى تعارض اتفاق التحكيم مع حصانة الدولة القضائية.
رابعا: القواعد الاجرائية الواجبة التطبيق على هذا النوع من التحكيم .
خامسا: القانون الواجب التطبيق على المنازعات التى تثور بصدد عقود البترول.
اولا نوعية التحكيم فى عقود البترول:
ان الاتفاق على التحكيم فى عقود البترول قد يتخذ صورة شرط وارد فى العقد ذاته او يتخذ صورة مشارطة تحكيم . وبناء عليه يكمن التأكيد على ان التحكيم فى عقود البترول يعد من قبيل التحكيم الاختيارى مادام انه لم يكن مفروضا على الاطراف وان إرادتهم قد اتجهت اليه وتم التعبير عنها فى صورة شرط وارد فى العقد او فى صورة مشارطة تحكيم .
الى جانب ذلك ، باستقراء العديد من شروط التحكيم الواردة فى عقود البترول يتضح لنا ان اطراف هذه العقود غالبا ما يتفقون على اللجوء الى ما يسمى بالتحكيم الحر. اذ غالبا ما يتفق الاطراف على ان اى نزاع او خلاف ينشأ بينهم يتم الفصل فيه بواسطة محكمين من اختيارهم دون اللجوء الى هيئة او مركز دائم للتحكيم . ولكن فى بعض الاحيان يتفق الاطراف على اللجوء الى مركز دائم للتحكيم . وتجدر الاشارة الى ان عقود البترول التى مصر والهيئة المصرية العامة للبترول مع الشركات الاجنبية بعد إنشاء المركز الاقليمى للتحكيم قد جرت على النص على حسم اى نزاع ينشأ بين الهيئة والشركات المتعاقدة معها بطريق التحكيم طبقا لقواعد تحكيم المركز الاقليمى للتحكيم بالقاهرة .
كما يتضح لنا من مراجعة العديد من شروط التحكيم المدرجة فى عقود البترول ان الوضع الغالب هو ان الاطراف يتفقون على اللجوء الى التحكيم طبقا لقواعد القانون . ويستفاد ذلك من أمرين : الاول ان اتفاق الاطراف على التحكيم ياتى مطلقا دون ان يقترن بتفويض المحكمين صراحة سلطة الفصل فى النزاع طبقا لقواعد العدالة . والثانى ان الاطراف فى بعض الاحيان يتفقون على القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع. ومع ذلك هناك بعض العقود نصت صراحة على تفويض المحكمين سلطة الفصل فى النزاع طبقا لقواعد العدالة .
يتبقى لنا الان ان نعرف ما اذا كان التحكيم فى عقود البترول يدخل فى إطار التحكيم الدولى العام ام ان التحكيم الداخلى ام التحكيم فى إطار المعاملات الدولية الخاصة .
ذهبت بعض احكام التحكيم الصادرة فى المنازعات الناشئة عن عقود البترول الى النظر الى هذا التحكيم على انه يعد تحكيما دوليا بالمعنى الدقيق ، وبالتالى أخضعته لقواعد القانون الدولى . غير ان هذا الاتجاه لايمكن الاخذ به ، فاذا كان صحيحا ان هناك اوجه شبهة بين هذا التحكيم والتحكيم الدولى اذ ان الدولة قد تكون طرفا فيه ، كما ان الاطراف قد يتفقوا على ان يتم تعيين المحكمين بواسطة جهة دولية ، بيد ان ذلك لا يكفى لاعتبار هذا التحكيم تحكيما دوليا يقع فى إطار القانون الدولى العام وذلك لسببين : الاول ان التحكيم الدولى العام قاصر على التحكيم الذى يجرى بين اشخاص القانون الدولى العام . ولا يغير من هذه الحقيقة مجرد كون احد طرفى هذا التحكيم دولة ذات سيادة . اما السبب الثانى فيتمثل فى ان اعتبار التحكيم فى عقود البترول تحكيما دوليا عاما يؤدى الى نتائج غير مقبولة . فمن الصعوبة بمكان الاعتراف لمحاكم التحكيم التى تشكل للفصل فى المنازعات الناشئة عن هذه العقود بوصفها محاكم دولية بالمعنى الدقيق . كما يصعب الاعتراف للإحكام الصادرة عنها بوصفها أحكاما دولية حقيقية . ونرى – دون الخوض فى التفاصيل – ان التحكيم فى عقود البترول يعتبر تحكيما موضوعه تسوية منازعات ناشئة عن علاقة تتعلق بمصالح التجارة الدولية . اذ يترتب على هذه العقود انتقال للأموال او البضائع والسلع عبر الحدود الجغرافية لأكثر من دولة واحدة . ومن ثم فان هذا التحكيم يخضع لقواعد القانون الدولى الخاص المتعلقة بالتحكيم سواء فى ذلك القواعد الموضوعية او قواعد تنازع القوانين .
ثانيا اهلية الدولة والأشخاص العامة فى الاتفاق على التحكيم:
يتعين لصحة اتفاق التحكيم ان تتوافر لدى الاطراف الاهلية اللازمة لإبرام هذا الاتفاق . ومن المسلم به ان الاهلية تخضع للقانون الشخصى . والقانون الشخصى بالنسبة للدولة هو دائما قانونها الداخلى . وكذلك الامر بالنسبة للأشخاص العامة التابعة لها . فالقانون الشخصى هو قانون الدولة التابعين لها . وذلك لان الشخص العام لا يحوز فقط جنسية هذه الدولة وانما يعد احد الأجهزة المنبثقة عن الدولة ، فالدولة هى التى تتولى إنشاؤه وتساهم فى رأسماله بجزء من أموالها وتمارس رقابة على أنشطته . اذن يكون من الطبيعى ان قانون هذه الدولة هو الذى يحكم الشخص العام ويحدد أهليته . غير ان تطبيق القانون الداخلى للدولة المتعاقدة ( او الشخص العام التابع لها ) على أهليتها فى إبرام اتفاق التحكيم قد يعرض المتعاقد الاخر لبعض المخاطر .
فمن المعروف ان القوانين الوطنية لا تتخذ موقفا موحدا تجاه مسألة اهلية الدولة والأشخاص العامة فى الاتفاق على التحكيم . ففى حين تعترف العديد من القوانين الوطنية للدولة والأشخاص العامة بأهلية إبرام اتفاقات التحكيم ، تحظر بعض القوانين على الدول والأشخاص العامة الاتفاق على التحكيم .
وعلى ذلك قد يحدث ان الدولة التى يحظر عليها قانونها الدخلى اللجوء الى التحكيم تتمسك بهذا الحظر من اجل التخلص من اتفاق التحكيم الذى سبق وان أبرمته . هذا بالاضافة الى ان الدولة بامكانها تعديل قانونها الداخلى فى وقت لاحق وبالتالى فان من شانه تطبيق قانونها الداخلى ان يمكن الدولة من التنازل بإرادتها المنفردة عن التزامها باللجوء الى التحكيم .
ولقد ثارت هذه المشكلة بالفعل امام المحكين . وبالإطلاع على العديد من احكام التحكيم التى تصدت لهذه المسألة نجد انها قد أكدت على اهلية الدولة والأشخاص العامة فى إبرام اتفاقات التحكيم والتزامها باحترام هذه الاتفاقات . وقررت فى هذا الصدد عدم الاعتداد بالحظر المفروض على الدولة والأشخاص العامة والمنصوص عليه فى القانون الداخلى واعتبرت ان هذا الحظر قاصر على العقود الداخلية ولا يسرى على العقود ذات الطابع الدولى ، وان تمسك الدولة بهذا الحظر على صعيد المعاملات الخاصة يتعارض مع النظام العام الدولى.
ومن احكام التحكيم الصادرة فى مجال البترول والتى تعرضت لهذه المشكلة يمكن ان نذكر حكم التحكيم الصادر فى كوبنهاجن فى 14 يناير سنة 1982 بواسطة المحكم الوحيد الاستاذ Gomard فى النزاع الذى ثار بين الشركة الفرنسية ElF- Aquitaine والشركة الوطنية الإيرانية للبترول . ففى هذه القضية تمسكت الشركة الإيرانية ببطلان شرط التحكيم مستندة فى ذلك على ان القانون الايرانى يحظر عليها اللجوء الى التحكيم . ولكن المحكم رفض هذا الدفع وأكد على ان هناك مبدأ عاما فى القانون الدولى يلزم الدولة بشرط التحكيم الوارد فى العقد المبرم بواسطتها او بواسطة احدى الشركات العامة التابعة لها ، ويحظر عليها إلغاؤه فى وقت لاحق بإرادتها المنفردة . ثم أضاف ان المبدأ معترف به من جانب اتفاقية البنك الدولى لتسوية منازعات الاستثمار المبرمة فى واشنطن عام 1965 (المادة 25) . وكما طبقته العديد من احكام التحكيم الصادرة فى المنازعات الدولية.
وقد سارت فى نفس الاتجاه استئناف باريس فى حكمها الصادر فى 17 ديسمبر سنة 1991 فى القضية التى ثارت بين الشركة الوطنية الإيرانية للبترول والشركة الدولية البانامية Gatoil . وتتخلص وقائع هذه القضية فى ان نزاعا بين هاتين الشركتين بمناسبة تنفيذ عقود البترول المبرمة فى عام 1980-1981 وقررت الشركة الإيرانية اللجوء الى التحكيم وتقدمت بطلب التحكيم الى غرفة التجارة الدولية بباريس طبقا لشروط التحكيم الواردة فى العقود المبرمة بينهما . ولكن الشركة البانامية تمسكت بعدم اختصاص المحكمين لبطلان شرط التحكيم استنادا الى ان الشركة الإيرانية ليس لها اهلية اللجوء للتحكيم ، حيث ان المادة 139 من الدستور الايرانى تستلزم الحصول على ترخيص بذلك من مجلس الوزراء وتصديق البرلمان الايرانى على اللجوء الى التحكيم ، وهو مالم تحصل عليه الشركة الإيرانية .
غير ان محكمة التحكيم اصدرت حكما تمهيديا فى 16يونيو 1989 قضت فيه برفض ادعاء الشركة البانامية والتى طعنت فى هذا الحكم بالبطلان امام القضاء الفرنسى . ولما عرض الامر على محكمة استئناف باريس قضت برفض الطعن وأكدت على صحة شرط التحكيم الموقع من الشركة الإيرانية واستندت المحكمة – من بين ما استندت اليه – الى ان النظام العام الدولى يحظر على الشركة الإيرانية الاحتجاج بالنصوص الواردة فى قانونها الوطنى للتخلص من التحكيم الذى سبق وان ارتضته . ومن باب أولى فانه لايجوز للشركة البانامية المنازعة فى اهلية الشركة الإيرانية بالاستناد الى نصوص القانون الايرانى .
ثالثا: مدى تعارض اتفاق التحكيم مع حصانة الدولة القضائية :
ومن المسلم به ان اتفاق التحكيم يترتب عليه أثران رئيسان هما : اثر إيجابى يتمثل فى منح المحكمين الاختصاص بالفصل فى النزاع موضوع اتفاق التحكيم . واثر سلبي يتمثل فى سلب اختصاص المحاكم الوطنية القضائية من نظر هذا النزاع والفصل فيه . غير ان هذا الاثر ليس له طابع عام وشامل بل هناك حالات تتدخل فيها المحاكم القضائية سواء من اجل المساهمة فى تشكيل محكمة التحكيم او البحث عن الادلة او اتخاذ الاجراءات الوقتية او التحفظية .
وفى ضوء ذلك يثور التساؤل عما اذا كان اتفاق التحكيم يتعارض مع ما تتمتع به الدولة (والأجهزة التابعة لها) من حصانة قضائية ، يجوز لها التمسك بها امام المحكمين او المحاكم القضائية فى الحالات التى يمكن ان تتدخل فيها ام ان هذا الاتفاق بالنظر الى قوامه ارادة طرفيه لا يتعارض مع الحصانة القضائية .
للاجابة عن هذا التساؤل نفرق بين حالتين : حالة التمسك بالحصانة القضائية امام المحكمين ، وحالة التمسك بها امام المحاكم القضائية .
الحالة الاولى : تمسك الدولة بالحصانة القضائية امام المحكمين : ذهب الفقه الى ان الدولة التى تتفق على اللجوء الى التحكيم لتسوية المنازعات الناشئة عن العقد المبرم بينها وبين احد الاشخاص الخاصة الاجنبية لا يمكنها بعد ذلك ان تتمسك بحصانتها القضائية امام محكمة التحكيم.
وقد عرضت هذه المسألة امام هيئات التحكيم ، وقد رفض المحكمون الدفع بالحصانة القضائية الذى تم التمسك به من أمامهم من قبل الدولة الطرف فى النزاع . ويمكن ان نذكر فى هذا الصدد حكم التحكيم الصادر فى قضية ليامكو ضد الحكومة الليبية عام 1977. ففى هذه القضية رفضت الحكومة الليبية المشاركة فى اجراءات التحكيم بحجة ان التحكيم يتعارض مع سيادتها . غير ان المحكم الوحيد الاستاذ ” محمصانى” رفض هذه الحجة مؤكدا على ان الدولة يمكنها دائما ان تتنازل عن حقوقها السيادية وتوقع على اتفاق التحكيم وتظل ملزمة به.
الحالة الثانية : تمسك الدولة بالحصانة القضائية امام المحاكم القضائية : قد يبدو غريبا للوهلة الاولى القول بتمسك الدولة بالحصانة القضائية امام المحاكم القضائية ونحن بصدد الحديث عن التحكيم . بيد انه لا غرابة فى الامر اذا ان المحاكم القضائية قد تتدخل فى بعض الاحيان سواء لتشكيل هيئة التحكيم او اثناء اجراءات التحكيم من اجل اقامة الادلة او اتخاذ اجراءات وقتية او تحفظية او بعد صدور حكم التحكيم بمناسبة دعوى بطلان حكم التحكيم ، ففى مثل هذه الحالات يثور التساؤل عما اذ كان اتفاق التحكيم يفيد تنازل الدولة بحصانتها القضائية امام المحاكم القضائية ؟
للاجابة عن هذا التساؤل ينبغى التفرقة بين فرضين : الفرض الاول والذى تكون فيه الدولة ذاتها هى التى لجأت الى القضاء الوطنى لدولة اخرى . وفى هذا الفرض ، ان التجاء الدولة الى هذا القضاء يفيد التنازل الضمنى من جانبها عن التمسك بحصانتها القضائية .
الفرض الثانى وفيه يلجا الطرف الاخر مع الدولة الى القضاء . وفى هذا الفرض يثور التساؤل لاعمال اذا كانت موافقة الدولة على اللجوء الى التحكيم تعد بمثابة تنازل ضمنى من جانبها عن التمسك بحصانتها القضائية .
لقد اجابت الاتفاقية الاوربية الخاصة بحصانة الدول الاجنبية المبرمة عام 1972 على هذا التساؤل بالإيجاب ، اذ نصت الفقرة الاولى من المادة (12) على انه : لو ان دولة متعاقدة قبلت كتابة بان تخضع للتحكيم المنازعات التى نشأت او التى يمكن ان تنشأ فى المسائل المدنية والتجارية ، لايجوز لها ان تتمسك بحصانتها القضائية امام محاكم الدولة التى يجرى على إقليمها التحكيم او يجرى التحكيم وفقا لقانونها …. وقد تضمن القانون الانجليزى الخاص بحصانة الدول الاجنبية عام 1978 نصا مماثلا . كما ان القضاء الحديث فى الولايات المتحدة الأمريكية قد اكد على ان الاتفاق على اجراء التحكيم فى بلد اجنبى يفيد التنازل عن الحصانة القضائية امام القضاء الوطنى لهذه الدولة . كما سار فى نفس الاتجاه القضاء الفرنسى .
رابعا : القواعد الاجرائية الواجبة التطبيق على التحكيم فى عقود البترول:
بالإطلاع على العديد من عقود البترول نجد ان اطراف هذه العقود يحرصون على تضمين شروط التحكيم بعض القواعد الاجرائية الاساسية السائدة فةى مجال التحكيم .
ومن ابرز هذه القواعد تلك التى تتعلق بكيفية بدء اجراءات التحكيم وتشكل هيئة التحكيم . حيث تنص غالبية العقود على ان تبدأ اجراءات التحكيم وتشكل هيئة التحكيم بإخطار يوجهه احد الطرفين الى الطرف الاخر بانه يرغب فى احالة النزاع للتحكيم ، ويعين محكما يذكر اسمه فى هذا الاخطار ، على ان يقوم الطرف الثانى بتعيين محكمة ويخطر به الطرف الاول خلال مدة معينة ، على ان يقوم المحكمان باختيار محكم ثالث خلال مدة معينة .
وقد واجهت غالبية العقود الفرض الذى يمتنع فيه الطرف الثانى عن تعيين محكمه، وكذلك الفرض الذى يخفق فيه المحكمان عن تعيين المحكم الثالث . وقد لجأت العقود الى وسائل متنوعة . فقد أسندت بعض العقود مهمة تعيين المحكم الثانى او المحكم الثالث الى احدى السلطات القضائية فى الدولة المنتجة . بينما اسند بعض العقود هذه المهمة الى سلطة قضائية أجنبية مثل رئيس المحكمة الفيدرالية فى لوزان بسويسرا . هذا فى حين ان عدد قليلا من هذه العقود قد اسند هذه المهمة الى رئيس محكمة العدل الدولية .
ولقد درجت معظم العقود التى ابرمنها الهيئة المصرية العامة للبترول مع الشركات الاجنبية على تضمنيها نصا يقضى بانه فى حالة عدم قام الطرف الثانى بتعيين محكمه او إخفاق المحكمين فى تعيين المحكم الثالث ، تتولى المحكمة الدائمة لدى غرفة التجارة الدولية بباريس تعيين المحكم الثانى بناء على طلب الطرف ذو المصلحة او تعيين المحكم الثالث بناء على طلب اى من الطرفين.
ومما تجدر الاشارة اليه بعد إنشاء مركز القاهرة الاقليمى للتحكيم درجت معظم عقود اقتسام الإنتاج التى أبرمتها الهيئة المصرية العامة للبترول مع الشركات الاجنبية على تضمنينها نصا يقضى بانه فى حالة عدم قيام المدعى عليه بتعيين محكمه خلال المدة المنصوص عليها فى العقد ، كان للمدعى ان يطلب من المركز تعيين المحكم الثانى ، واذا لم يتفق المحكمان على اختيار المحكم الرئيس فى خلال المدة المحددة فى العقد ، فانه يجوز لاى من الطرفين ان يطلب من السكرتير العام للمحكمة الدائمة بلاهاي ان يحدد جهة تتولى التعيين . وهذه الجهة تعين المحكم الرئيس بنفس الطريقة التى يعين بها المحكم الوحيد وفقا للمادة (6/3) من قواعد التحكيم الصادرة عن لجنة الامم المتحدة للقانون التجارى الدولى عام 1976(والمسماة اليونسترال ) . كما درجت غالبية عقود البترول على النص على انه يشترط فى المحكم الثالث الا يحمل جنسية اى من طرفى النزاع وان يحمل جنسية دولة يكون لها علاقات دبلوماسية مع الدولة المتعاقدة وكذلك الدولة التى تنتمى اليها الشركة الاجنبية المتعاقدة ، والا يكون مصالح اقتصادية فى اعمال البترول لدى الاطراف الموقعة عل العقد.
كما عينت معظم العقود بتحديد مقر التحكيم او بيان كيفية تحديده . غير انها لم تتخذ موقفا موحدا فى هذا الشأن . فقد حددت بعض العقود مقر التحكيم فى اقليم الدولة المتعاقدة. فى حين ان البعض الاخر قد حدد مقر التحكيم فى دولة أجنبية . والى جانب ذلك ، تركت بعض العقود مسألة تحديد مقر التحكيم للمحكمين سواء المحكم الثالث او المحكم الوحيد – حسب الاحوال- وذلك فى حالة عدم اتفاق الطرفين.
ولقد درجت معظم العقود التى أبرمتها الهيئة المصرية العامة مع الشركات الاجنبية على النص على ان يجرى التحكيم فى مدينة استوكهولم بالسويد. هذا مع مراعاة ان العقود التى أبرمتها بعد إنشاء مركز القاهرة الاقليمى للتحكيم قد درجت على النص على ان يجرى التحكيم فى مدينة القاهرة مالم يتفق الاطراف على خلاف ذلك.
والى جانب القواعد الاجرائية التى عرضنا لها، تعرضت العديد من عقود البترول لمسالة القانون الى يحكم اجراءات التحكيم الا انها لم تتخذ موقفا موحدا فى هذا الشأن.
فقد نصت بعض العقود على تطبيق قانون الدولة المتعاقدة ، فى حين نصت بعض العقود الاخرى على تطبيق قانون دولة المقر . وأخيرا نصت بعض العقود على تخويل المحكمين سلطة تحديد القواعد الاجرائية الواجبة التطبيق .
ومن الجدير بالذكر فى هذا الصدد ان غالبية العقود التى أبرمتها الهيئة المصرية العامة مع الشركات الاجنبية قد درجت على النص على ان يجرى التحكيم طبقا لقواعد التوفيق والتحكيم السارية لدى غرفة التجارة الدولية ، انه فى حالة وجود نقص او قصور فى هذه القواعد ، فان المحكمين يقومون بوضع قواعد السير فى اجراءات التحكيم . على ان يلاحظ ان معظم العقود التى إبرامها بعد إنشاء المركز الاقليمى بالقاهرة قد درجت على النص على ان يجرى التحكيم طبقا لقواعد التحكيم السارية لدى المركز وقت إبرام العقد.
واذا توجهنا ناحية احكام التحكيم الصادرة فى المنازعات الناشئة عن عقود البترول ، نجد انها لم تتخذ موقفا موحدا ويمكننا ان نميز بين طائفتين من هذه الاحكام :
الطائفة الاولى : احكام التحكيم التى أخضعت اجراءات التحكيم للقانون الدولى العام:
من أوائل احكام التحكيم وأبرزها التى أخضعت اجراءات التحكيم للقانون الدولى العام حكم التحكيم الصادر فى النزاع الذى ثار بين حكومة السعودية وشركة ارامكوا فى 23 أغسطس سنة 1958.
فقد استبعدت محكمة التحكيم القانون السعودى على اساس ان شرط التحكيم المنصوص عليه فى المادة (31) من عقد الامتياز المبرم بين الطرفين عام 1933 قد حدد مكان التحكيم فى لاهاى بهولندا . ثم تحول هذا المقر الى مديني Lucerne بسويسرا ثم أخيرا الى مدينة جنيف . وهكذا فان التحكيم كان مقره خارج العربية السعودية فى كل الاحوال . وبالتالى فان الشىء المؤكد ان القانون الذى يحكم هذا النظام ليس هو قانون هذه الدولة . لان الاطراف قد اتفقوا منذ البداية على إبعاد منازعاتهم عن قضاء المحاكم المحلية وهو شرط اساسى يحقق للمستثمر ضمانة وجود قاضى محايد .
كما استبعدت المحكمة ايضا تطبيق القانون الامريكى وذلك على اساس ان هذا القانون ليس له اى سند من الاختصاص ، ليس فقط لان مقر التحكيم لم يكن محددا فى الولايات المتحدة الأمريكية بل ايضا استنادا الى مبدأ المساواة الكاملة بين الاطراف امام المحكمة .
كما استبعدت المحكمة تطبيق قانون الدولة مقر التحكيم على اساس ان مبدأ الحصانة القضائية يتعارض مع ممارسة السلطات القضائية للدولة مقر التحكيم لحقها فى الرقابة على التحكيم والتدخل احيانا اثناء اجراءات التحكيم . فبالاستناد الى مبدأ الحصانة القضائية الذى يقرره القانون الدولى للدول الاجنبية ، من غير المقبول ان يخضع التحكيم الذى تشارك فيه دولة ذات سيادة لقانون دولة اخرى . وبتاء عليه انتهت محكمة التحكيم الى ان هذا التحكيم لا يمكن الا ان يخضع مباشرة للقانون الدولى العام.
ولقد تعرض هذا الحكم لانتقادات من قبل غالية الفقهاء سواء من حيث الحجج التى استند اليها فى إبعاده لقانون كل من الطرفين وقانون الدولة مقر التحكيم او من حيث النتيجة التى انتهى اليها وهى تطبيق القانون الدولى العام . ولكن رغم ذلك فان الاستاذ دبوى Dupy قد اخذ بهذا الحل فى الحكم الذى اصدره فى قضية تكساكو ضد الحكومة الليبية ى 19 يناير 1977 .
وقد استند الاستاذ دبوى فى تبرير هذا الحل على نفس البواعث التى استند اليها الحكم السابق . كما استند الى بواعث اخرى اضافية . فقد ارتأى المحكم فى طريقة تعيين المحكم الوحيد وبصفة خاصة النص على اللجوء الى رئيس محكمة العدل الدولية لتعيينه ان هذا يعنى ان الاطراف قد اتفقوا على ان يكون التحكيم الحالى موضوعا تحت رعاية منظمة الامم المتحدة وبالتالى فان النظام القانونى الذى يحكمه هو القانون الدولى العام .
الطائفة الثانية : الاحكام التى اخضعن اجراءات التحكيم لقانون الدولة مقر التحكيم :
من ابرز احكام التحكيم التى يمكن ان نذكرها فى هذا الخصوص حكم التحكيم الصادر فى 15 مارس عام 1963 فى قضية الشركة الكندية سافير ضد الشركة الوطنية الإيرانية للبترول بواسطة القاضى الفيدرالي الى Cavin . فطبقا للمادة (41) من العقد المبرم بين الطرفين فان المحكم هو الذى يتولى تحديد مقر التحكيم وكذلك القواعد الاجرائية الواجبة التطبيق وإعمالا لهذا النص حدد المحكم لوزان بسويسرا مقرا للتحكيم ، كما حدد قانون الدولة مقر التحكيم – اى القانون السويسرى – كقانون واجب التطبيق على اجراءات التحكيم .
كما اخذ بنفس الحل ايضا حكم التحكيم الصاد فى 10 أكتوبر سنة 1973 بواسطة المحكم Lagergren فى النزاع الذى ثار بين الحكومة الليبية والشركة البريطانية للبترولBritish Petroleum . ففى هذه القضية حدد المحكم مقر التحكيم فى كوبنهاجن بالدنمارك ، كما قرر ان القانون الواجب التطبيق على اجراءات التحكيم هو القانون الدنماركى .
كما اخذ بنفس الحل حكم التحكيم التمهيدى الصادر فى 14 يناير عام 1982 بواسطة المحكم Gomard فى النزاع الذى نشأ بين الشركة الوطنية الإيرانية للبترول والشركة الفرنسية ELF. Aquitaine فطبقا للمادة (41/5) من العقد المبرم بين الطرفين يحدد الطرفان مقر واجراءات التحكيم . وفى الحالة التى لا يتوصل فيها الطرفان الى اتفاق فى هذا الشأن يحدد مقر التحكيم وإجراءاته بواسطة المحكم الثالث او المحكم الوحيد حسب الاحوال .
وإعمالا لهذا النص ، قام المحكم بتحديد مقر التحكيم فى كوبنهاجن بالدنمارك ، كما قرر ان القانون الدنماركى هو الواجب التطبيق على اجراءات التحكيم .
كما تخذ بنفس الحل حكم التحكيم الصادر فى 24 مارس عام 1982 فى النزاع الذى نشأ بين حكومة الكويت والشركة الأمريكية Aminoil على اثر قيام الحكومة الكويتية بتأميم أموال وممتلكات الشركة المذكورة عام 1977 وقد اوضحت محكمة التحكيم ان الطرفين قد تناولا مسألة القانون واجب التطبيق فى اتفاق التحكيم المبرم بينهما فى 23يوليو عام 1979 ، وانهما قد فرقا فى هذا الصدد بين القانون الذى يحكم الاجراءات وذلك الذى يحكم موضوع النزاع.
وفيما يتعلق بالاجراءات ، أكدت المحكمة انه من غير المتنازع فيه ان الطرفين قد اختارا النظام القانونى الفرنسى كقانون واجب التطبيق على اجراءات التحكيم . حيث تنص المادة (4/1) من اتفاق التحكيم على خضوع اجراءات التحكيم المنصوص الآمرة فى قانون المرافعات فى الدولة مقر التحكيم ، اى القانون الفرنسى .
ونحن من جانبنا نؤيد الاتجاه الثانى الذى اخضع اجراءات التحكيم لقانون دولة المقر ولا نؤيد الاتجاه الاول الذى اخضع اجراءات التحكيم للقانون الدولى العام ، ونرى ان تبقى قواعد القانون الدولى العام محجوزة للعلاقات فيما بين الدول اما المعاملات التجارية والاقتصادية فيجب ان تبقى فى إطار القانون الدولى الخاص حتى ولو كان احد اطرافها من الدول.
القانون الواجب التطبيق على عقود البترول موضوع النزاع :
اثارت مسألة القانون الواجب التطبيق على عقود البترول خلافا فقهيا حادا. ويمكن فى هذا الصدد ان يميز بين ثلاث اتجاهات رئيسية :
الاتجاه الاول:وينادى أنصار هذا الاتجاه بتوطين هذه العقود وذلك بإخضاعها لقانون الدولة المتعاقدة . وقد استندوا فى ذلك الى عدة حجج هى : 1- فكرة العقد الادارى .
2- قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة المتعلقة بالسيادة الدائمة للدول على ثرواتها الطبيعية ، وإنشاء نظام اقتصادى جديد وتلك المتعلقة بميثاق الحقوق والوجبات الاقتصادية للدول . وإنشاء نظام جديد اقتصادى وتلك المتعلقة بميثاق الحقوق والوجبات الاقتصادية للدول . 3- وجود قرينة لصالح قانون الدولة المتعاقدة.
الاتجاه الثانى : وينادى أنصار هذا الاتجاه بتدويل هذه العقود وذلك بإخضاعها للقانون الدولى العام. بيد ان أنصار هذا الاتجاه قد اختلفوا فيما بينهم حول الحجج التى استندوا اليها : فمنهم من قام بإخضاع العقد للقانون الدولى العام استنادا الى نظرية القانون المناسب the doctoring of the proper law فى القانون الدولى الخاص . ومنهم من نادى بإخضاع العقد للقانون الدولى العام باعتباره معاهدة دولية . وأخيرا فان منهم من نادى بإخضاع العقد للقانون الدولى باعتباره تصرفا قانونيا من نوع جديد (عقود التنمية الاقتصادية .
الاتجاه الثالث : وينادى أنصار هذا الاتجاه بعدم توطين هذه العقود من ناحية ، وعدم تدويلها من ناحية اخرى ، ويرون إخضاعها لنظام قانونى ثالث مستقل عن القوانين الداخلية والقانون الدولى العام. بيد إنهم اختلفوا فيما بينهم بشأن تحديد المقصود بهذا النظام . فمنهم من نادى بفكرة القانون الذاتى للعقد ، ومنهم من نادى بتطبيق المبادىء العامة للقانون المعترف بها فى الامم المتمدينة ، ومنهم من نادى بتطبيق ما يسمى بقانون عبر الدول وأخيرا فان من أنصار هذا الاتجاه من نادى بتطبيق قانون التجارة الدولية Lex mercatoria .
واذا انتقلنا من الصعيد الفقه الى صعيد الممارسة التعاقدية ، لوجدنا تنوعا واختلاف فى الشروط التى تضمنيها عقود البترول بشأن القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع .ورغم ذلك يمكننا تقسيم هذه الشروط الى عدة طوائف:
- فقد نصت بعض الشروط على تطبيق المبادىء العامة للقانون باعتبارها القانون الذى يحكم العقد . وقد ثار خلاف فى الفقه بشأن مدلول هذا النص ، فقد ذهب رأى الى ان هذا النص يعد اشارة صريحة على اخضاع العقد للقانون الدولى، وذهب رأى ثان الى ان هذا النص يفيد اخضاع العقد للمبادىء العامة للقانون باعتبارها نظاما قانونيا مستقلا . وذهب رأى ثالث الى ان هذا النص يفيد تطبيق قانون عبر باعتبار هذه المبادىء المصدر الرئيسى لهذا القانون. وأخيرا ذهب رأى الى ان المبادىء العامة للقانون تندرج ضمن قانون التجارة الدولية وتعد احد العناصر الاساسية المكونة له.
- فى حين نصت بعض الشروط المشتركة فى القانون الوطنى للدولة المتعاقدة والقانون الدولى العام بصفة رئيسية ، المبادىء العامة للقانون بصفة احتياطية .
- كما نصت طائفة ثالثة من الشروط على تطبيق المبادىء المشتركة فى الانظمة القانونية للاطراف المتعاقدة بصفة رئيسية ، المبادىء العامة للقانون بصفة احتياطية .
ويلاحظ ان هذه الشروط تثير عند تطبيقها صعوبات مؤكدة . فمن المؤكد ان مهمة المحكم ستكون صعبة فى إبراز المبادىء المشتركة فى الانظمة القانونية الواجبة التطبيق ، خصوصا فى الفرض الذى تكون فيه الشركة الطرف فى العقد من الشركات المتعددة الجنسيات او عندما يكون العقد مبرما مع اكثر من شركة أجنبية.
- وأخيرا فان هناك طائفة من الشروط قد نصت على تطبيق قانون الدولة المتعاقدة .وتجدر الاشارة الى ان عقود البترول المبرمة الحكومة المصرية والهيئة المصرية العامة للبترول قد درجت على النص على تطبيق القانون المصرى . وفى حالة وجود خلاف بين القوانين المصرية ونصوص العقد تكون العبرة بما ينص عليه العقد . ويبدو لنا ان هذه الشروط تعد اعمالا لنظرية الذاتى للعقد مادام ان قانون الدولة المتعاقدة لا تنطبق احكامه الا بالقدر الذى لا تتعارض فيه مع نصوص العقد.
بالاضافة الى ما تقدم ، هناك شروط اخرى متفرقة يصعب ادرجها ضمن الطوائف السابق ذكرها ، وذلك بسبب عدم دقة صياغتها وتناقضها. من ذلك يمكن ان نذكر الشرط الذى ينص على ان محكمة التحكيم غير ملزمة بمراعاة اى قاعدة قانونية معينة ، بل يجوز لها تأسيس حكم التحكيم على اعتبارات العدالة ، ومبادىء القانون المعترف بها عموما ، والقانون الدولى. فهذا لنص يمنح المحكمة سلطة الفصل فى النزاع وفقا لقواعد العدالة هذا من ناحية كما انه يجيز لها تطبيق المبادىء العامة للقانون وكذلك القانون الدولى.
الخلاصة ان الممارسة التعاقدية لم تتخذ موقفا موحدا فى هذا الصدد بحيث يمكن ان نستخلص منها نتائج واضحة وثابتة . فالشروط التعاقدية متنوعة ومتغيرة. كما انها تتصف فى بعض الاحيان بعدم الدقة والوضوح بل والتناقض فى أحيان اخرى.
وبالإطلاع على احكام التحكيم التى صدرت فى المنازعات الناشئة عن العقود البترول، يتضح لنا عدم وجود اتجاه قضائى ثابت ومستقر بشأن القانون الواجب التطبيق على هذه العقود.
حيث نجد ان احكام التحكيم التى صدرت فى قضايا ابو ظبى عام1951، وقطر عام 1953، وسافير 1963، قد استبعدت القوانين الوطنية الواجبة التطبيق لصالح مجموعة من المبادىء وصفتها بانها مبادىء عامة.
كما نجد ان تحكيم ارامكو ضد السعودية عام 1958 قرر تطبيق القانون السعودى المبادىء العامة للقانون واحكام القانون الدولى.
وبالنسبة للإحكام الصادرة فى قضايا البر تش بتر وليم عام 1973 ، وليامكو عام 1977، وتكساكو عام 1977 ضد الحكومة الليبية ، فانه على الرغم من صدور هذه الاحكام بشأن عقود متماثلة ، وعلى الرغم من تماثل الشروط التى تضمنيها العقود محل النزاع بشأن القانون الواجب التطبيق ، الا ان المحكمين اختلفوا فى تفسير هذه الشروط. فقد ذهب المحكم فى قضية ليامكو الى ان القانون الليبى هو القانون الواجب التطبيق بصفة رئيسية . مؤكدا على ان القانون الليبى يشتمل على قواعد ومبادىء مشتركة مع القانون الدولى . هذا فى حين ان المحكم فضية B.P قد قرر ان شرط القانون الواجب التطبيق يستبعد تطبيق القانون الليبى وحده والقانون الدولى وحده. وانتهى الى عدم وجود مبادىء مشتركة بين كل من هذين النظامين القانونين وبالتالى لجا الى تطبيق المبادىء العامة للقانون.
على خلاف كل من الحكمين السابقين، فان المحكم دبوى فى قضية تكساكو قدر ان عقود الامتياز محل النزاع تعتبر تصرفات قانونية دولية تخضع مباشرة للقانون الدولى العام.
وأخيرا فان حكم التحكيم الصادر فى قضية امينؤيل ضد الحكومة الكويتية عام 1982 قد جاء مخالفا لكل الاحكام السابق ذكرها . اذ قررت محكمة التحكيم تطبيق القانون الكويتى ثم طبقت القانون الدولى وكذلك المبادىء العامة للقانون ، باعتبارهما جزءا من القانون الكويتى .
الخلاصة ان موقف احكام التحكيم لم يكن واضحا ولا موحدا . ولذلك نجد ان هذه الاحكام يتمسك بها أنصار تطبيق القانون الدولى ، كما يتمسك بها القائلون بوجود نظام قانونى ثالث سواء القائلون بتطبيق المبادىء العامة للقانون او قانون عبر الدول، او قانون التجارة الدولية.
نرى من جانبا ان القانون الواجب التطبيق على عقود البترول هو القانون المختار صراحة من قبل الاطراف وذلك اعمالا لمبدأ سلطان الارادة فى اختيار القانون الواجب التطبيق والذى يعد اليوم مبدأ مسلما به فى إطار التحكيم الدولى الخاص . كما نرى ضرورة ان ينحصر اختيار الاطراف فى قانون وطنى معين . فهذا الحل يحقق ألامان القانونى الذى ينشده الاطراف.
كما نرى انه فى حالة عدم وجود اختيار من قبل الاطراف ، على المحكمين تطبيق قانون الدولة المتعاقدة وذلك اعمالا للمعايير المتبعة فى إطار القانون الدولى الخاص فى حالة غياب قانون الارادة . فقانون الدولة المتعاقدة هو القانون الذى يرتبط به عقد البتول برابطة اكثر وثاقة عن غيره من القوانين الاخرى، فهو قانون محل إبرام العقد، ومحل تنفيذه ، وهذا الحل أخذت به اتفاقية البنك الدولى لعام 1965(المادة 42). كما اخذ به معهد القانون الدولى فى التوصيات التى اصدرها فى دور انعقاده بأثينا عام 1979.