التحكيم
فى عقود المقاولات
الدكتور
رضا السيد
أستاذ القانون التجارى والبحرى
وكيل كلية الحقوق للدراسات العليا والبحوث
كلية الحقوق _ جامعة عين شمس
مقدمة :
أثارت مسألة مد شرط التحكيم من علاقة عقدية الى أخرى فى حالة العقود المرتبطة (group de contrats) جدلا واسعا فى الفقه ولم تستقر فى شأنها أحكام القضاء حتى الآن ، ولا توجد نصوص تشريعية مباشرة لتنظيمها .
وهناك فرضان أثيرت فيهما تلك المسألة :
الفرض الأول : ان يكون هناك مجموعة من العقود المرتبطة تم إبرامها بين نفس الأشخاص ، وتضمن احد تلك العقود شرط تحكيم وخلت منه العقود الأخرى ، فكان حول ما اذا كان يحق لهؤلاء الاطراف التمسك بشرط التحكيم الوارد فى أحد العقود المبرمة بينهم فى شأن منازعات نشبت عن عقد آخر مبرم بينهم وخلا من هذا الشرط ، مثال ذلك عقود النقل المتعاقبة التى أبرمت بين نفس الناقل ونفس الشاحن ، ونص فى أحد هذه العقود على أن المنازعات الناشئة عن تفسيره او تنفيذه يتم حسمها عن طريق التحكيم ، فهل يجوز لاى من هذين الطرفين التمسك بهذا الشرط عندما ينشأ بينهما نزاع عن عقد نقل آخر لم يتضمن مثل هذا الشرط ، وبتعبير آخر هل يمتد شرط التحكيم من العقد الذى تضمنه الى عقد نقل آخر بين ذات الاطراف ولم يتضمن هذا الشرط ؟
ان الخلافات التى أثيرت بشأن الإجابة على هذا التساؤل فى الفقه والقضاء كانت أقل حدة من تلك التى أثيرت فى الفرض الثانى : والذى تمثل فى وجود مجموعة من العقود المرتبطة لم يتم إبرامها بين نفس الاطراف ، والمثال التقليدى لهذا الفرض هو عقود المقاولات ، حيث يوجد عقد المقاولة الاصلى الذى يربط بين رب العمل والمقاول الاصلى ، وعقد المقاولة من الباطن والذى يربط بين المقاول الاصلى والمقاول من الباطن ، والسؤال الذى يثور فى هذه الحالة يتخذ أحد وجهين ، الوجه الأول : ان يتضمن اى من هذين العقدين شرط تحكيم ويخلو منه العقد الأخر ، فهل يجوز مد شرط التحكيم من العقد الشامل له الى العقد الخالى منه ؟
والوجه الثانى : ان يتضمن العقدان شرط تحكيم ، وأثير نزاع بشأن إحداهما ، فهل يجوز إدخال طرف العقد الآخر ، الذى لم ينشأ عنه نزاع ولم يعرض على التحكيم ، فى التحكيم القائم .
وقبل الخوض فى تفاصيل هذه الدراسة نشير بداءا الى أننا سوف نتعرض فقط للفرض الثانى الذى لم تبرم فيه العقود المرتبطة بين ذات الاطراف ، تاركين الفرض الأول والذى تبرم فيه العقود المرتبطة بين ذات الاطراف لدراسة لأخرى لاحقة .
# عرض المشكلة وبيان النصوص القانونية التى تحكمها :
تتمثل المشكلة التى سوف نعرض لها فى الإجابة على السؤال الأتى : هل يمتد أثر شرط التحكيم الوارد فى عقد المقاول الاصلى الى عقد المقاولة من الباطن ، والعكس ام لا ؟
وهناك مجموعة من الفروض يثور فيها التساؤل السابق ، وسوف نحاول الإجابة عليه فى كل فرض تباعا ، وتلك الفروض هى : –
الأول : ان يتضمن عقد المقاولة الاصلى شرط تحكيم ويخلو منه عقد المقاولة من الباطن .
والثانى : ان يتضمن عقد المقاولة من الباطن شرط تحكيم ويخلو منه عقد المقاولة الاصلى .
والثالث : ان يتضمن كل من عقد المقاولة الاصلى وعقد المقاولة من الباطن شرط تحكيم ، وهنا تتفرع المسألة الى أمرين : الامر الأول : ان يتمسك أحد طرفى عقد المقاولة الاصلى بشرط التحكيم فى مواجهة أحد طرفى عقد المقاولة من الباطن ، والأمر الثانى : ان يتمسك أحد طرفى عقد المقاولة من الباطن ، وليكن المقاول من الباطن ، بشرط التحكيم فى مواجهة رب العمل .
وعرض تلك الفروض ومحاولة إيجاد إجابة على ما تثيره من تساؤلات يستلزم بالضرورة ان نبين النصوص القانونية التى تدور فى فلكها تلك المحاولة ، وهذه النصوص هى :
أولا : المادة /12 من قانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994 ، و تنص على أنه : –
” يجب ان يكون أتفاق التحكيم مكتوبا والا كان باطلا ……….. ” .
ثانيا : المادة / 235 من القانون المدنى على أنه :
- لكل دائن ، ولو لم يكن حقه مستحق الاداء ، ان يستعمل باسم مدينه جميع حقوق هذا المدين الا ما كان منها متصلا بشخصه خاصة او غير قابل للحجز .
- ولا يكون استعمال الدائن لحقوق مدينه مقبولة الا اذا أثبت ان المدين لم يستعمل هذه الحقوق وان عدم استعماله لها من شأنه ان يسبب إعساره او يزيد من هذا الإعسار ، ولا يشترط اعتذار المدين لاستعمال حقه ولكن يجب إدخاله خصما فى الدعوى .
ثالثا : المادة / 661 من القانون المدنى وتنص على انه :
- يجوز للمقاول ان يكل تنفيذ العمل فى جملته او فى جزء منه الى مقاول من الباطن اذا لم يمنعه من ذلك شرط فى العقد او لم تكن طبيعة العمل تفترض الاعتماد على كفايته الشخصية .
- ولكنه يبقى فى هذه الحالة مسئولا عن المقاول من الباطن قبل رب العمل .
رابعا : المادة / 662 من القانون المدنى وتنص على أنه :
يكون للمقاولين من الباطن وللعمال الذين يشتغلون لحساب المقاول فى تنفيذ العمل ، حق مطالبة رب العمل مباشرة بما لا يجاوز القدر الذى يكون مدينا به للمقاول الاصلى وقت رفع الدعوى ، ويكون لعمال المقاولين من الباطن مثل هذا الحق قبل كل من المقاول الاصلى ورب العمل .
# الحالات التى تثور فيها مسألة مد أثر شرط التحكيم :
وقبل الإجابة على التساؤلات التى أثيرت حول كل الفروض السابقة ، سنعرض فى عجالة سريعة للعلاقات المختلفة التى تنشأ عن عقد المقاولة من الباطن ، وتلط العلاقات هى :
– العلاقة الاولى : المقاول الاصلى بالمقاول من الباطن :
تعتبر العلاقة بين المقاول الاصلى والمقاول من الباطن بمثابة علاقة رب عمل ومقاول . ينظمها عقد المقاولة من الباطن ، حيث يكون المقاول الاصلى بالنسبة الى المقاول من الباطن رب عمل ، يقع على كاهله جميع التزامات رب العمل ، وبالمقابل يلتزم المقاول من الباطن تجاه المقاول الاصلى بجميع التزامات المقاول .
وعلى ذلك يوجد عقدان للمقاولة : الاول : عقد المقاول الاصلى ويحكم العلاقة بين رب العمل والمقاول الاصلى ، والثانى : عقد المقاولة من الباطن ويحكم العلاقة بين المقاول الاصلى والمقاول من الباطن ، والطرف المشترك فى هذين العقدين هو المقاول الاصلى ، اما رب العمل والمقاول من الباطن فهما من الغير بالنسبة لبعضهم البعض ، فلا توجد بينهما علاقة مباشرة .
– العلاقة الثانية : المقاول الاصلى برب العمل :
ينظم هذه العلاقة عقد المقاولة الاصلى الذى يظل قائما رغم إبرام عقد المقاولة من الباطن . ويعد رب العمل من الغير بالنسبة لعقد المقاولة من الباطن فلا يكسبه هذا العقد حقا ولا يحمله بالتزام ، وذلك فيما عدا ما نص عليه القانون من رجوع المقاول من الباطن على رب العمل بالأجرة فى حدود معينة نظمتها المادة /662 من القانون المدنى ، وحق المقاول من الباطن فى الرجوع على رب العمل بموجب الدعوى غير المباشرة مستعملا اسم مدين مدينه وهو المقاول الاصلى وهذا ما أقرته المادة / 235 من القانون المدنى .
-العلاقة الثالثة : رب العمل بالمقاول من الباطن :
الأصل انه لا يوجد علاقة تعاقدية مباشرة بين رب العمل و المقاول من الباطن اذ لا يربطهما اى تعاقد . فالعلاقة بينهما اذا هى علاقة غير مباشرة ، اذ يتوسطهما المقاول الاصلى ، فلا يجوز لرب العمل ان يطالب المقاول من الباطن مباشرة بتنفيذ التزاماته ، والذى يطالب بها هو المقاول الاصلى ، وكذلك لا يجوز للمقاول من الباطن ان يطالب رب العمل مباشرة بتنفيذ ٍالتزاماته والذى يطالب بها هو المقاول ااصلى .
وسوف نعرض فيما يلى الفروض الثلاث السابق بيانها للإجابة على التساؤل الخاص بمدى جواز مد أثر شرط التحكيم من عقد المقاولة الاصلى الى عقد المقاولة من الباطن ، والعكس .
الفرض الاول : ان يتضمن عقد المقاولة الاصلى شرط تحكيم و يخلو منه عقد المقاولة من الباطن :
ويتمثل هذا الفرض فى ان يتضمن عقد المقاولة الاصلى المبرم بين رب العمل والمقاول الاصلى شرط تحكيم يتم بموجبه طرح المنازعات التى تنشأ عن تفسيره بنود هذا العقد او تنفيذه على التحكيم ، فى حين لا يتضمن عقد المقاولة من الباطن المبرم بين المقاول الاصلى والمقاول من الباطن مثل هذا الشرط ، ومن ثم يكون المختص بالفصل فى المنازعات الناشئة عن تفسير بنوده او تنفيذه هو القضاء .
ومسألة مدى جواز مد شرط التحكيم من عقد المقاولة الاصلى الى عقد المقاولة من الباطن يثور فى حالتين ، والمقاول الاصلى هو المتصور ان يتمسك بهذا الشرط فى مواجهة المقاول من الباطن ، باعتبار ان المقاول الاصلى طرف مشترك فى عقدى المقاولة الاصلى والمقاولة من الباطن :
والحالة الاولى هى : ان يثور نزاع بين المقاول الاصلى ورب العمل ، ويتم طرحه على التحكيم إعمالا لشرط التحكيم الوارد فى هذا العقد ، فهل يجوز للمقاول الاصلى ان يطلب من هيئة التحكيم إدخال المقاول من الباطن فى الدعوى التحكيمية استنادا لحكم المادتين / 117 ، 118 من قانون المرافعات المدنى والتجارى ؟ .
وعندما عرض هذا الامر على القضاء الفرنسى ، وعندما تناوله الفقه بالشرح والتحليل ، وانقسم الفقه والقضاء الى فريقين ، الفريق الاول : يؤيد مد شرط التحكيم من عقد المقاولة الاصلى الى عقد المقاولة من الباطن مستندا فى ذلك الى العديد من الحجج منها :
- ان كلا العقدين يرتبطان ببعضهما برباط اقتصادى ، حيث ان كل منهما يهدف الى تحقيق عملية اقتصادية واحدة وهى تنفيذ محل عقد المقاولة الاصلى .
- وأن المقاول من الباطن قد شارك فى تنفيذ عقد المقاولة الاصلى ، وبهذا التنفيذ يكون قد إنضم اليه وهذا يفترض قبوله لشرط التحكيم الوارد فيه ، لا سيما وأنه كان على علم به وقت توقيع عقد المقاولة من الباطن حيث ان إبرام هذا العقد يأتى فى مرحلة لاحقة لإبرام عقد المقاولة الاصلى .(أنظر أحكام محكمة باريس فى 20 ابريل سنة 1988 مجلة التحكيم 1988 صفحة 570 ، 14 فبراير سنة 1989 ، 30 نوفمبر 1989 . ، 20 أبريل سنة 1988 صفحة 691 ، 11 يناير سنة 1990 مجلة التحكيم 1992 صفحة 95) .
اما الفريق الثانى : فقد ذهب الى ان شرط التحكيم الوارد فى عقد المقاولة الاصلى لا يمتد الى عقد المقاولة من الباطن استنادا الى عدة حجج أيضا وهى :
- ان مبدأ نسبية أثر العقد يحول دون هذا المد ، حيث ان العقد لا يرتب أثارا الا بالنسبة لأطرافه فقط ، اما من ليس طرفا فيه فلا يجوز – استنادا لهذا المبدأ – أن يتمسك ببنوده .
- أن شرط التحكيم يتمتع باستقلالية عن العقد الذى يتضمنه ، و من ثم لا يلتزم به الا من وقع عليه وقبله صراحة ، ولا مجال هنا لافتراض موفقة الغير عن هذا الشرط ، حيث ان الرضا الضمنى بشرط التحكيم أمر غير مقبول نظرا لخطورته ، فهو يحرك الشخص من اللجوء لقاضيه الطبيعى .
- ان شرط التحكيم يقوم على فكرة الاعتبار الشخصى ومن ثم فلا مجال للتمسك به الا فيما بين طرفيه .
وخلص هذا الاتجاه الى ان شرط التحكيم لا يلزم الا من وقع عليه كتابة . ( أنظر حكم محكمة النفض الفرنسية 1 ، 5 يونيو 1991 ، مجلة التحكيم 1992 صفحة 453 ملاحظات / ب . مايير ، 1 ، 11 يونيو 1991 مجلة التحكيم 1992 صفحة 73 ملاحظات د. كوهين ) .
ونحن من جانبنا ، واستنادا على نص المادة / 12 من قانون التحكيم المصرى رقم 27 لسنة 1994 ، نرى انه لا يجوز مد شرط التحكيم من عقد المقاولة الاصلى الى عقد المقاولة من الباطن ، وذلك لصراحة هذا النص من حيث أن أتفاق التحكيم يجب ان يكون مكتوبا والا كان باطلا ، وهذا يعنى بوضوح ان شرط التحكيم لا يلزم الا من وقع عليه كتابة .
وإزاء هذا الحكم فان المقاول من الباطن ، الذى ليس طرفا فى عقد المقاولة الاصلى ، ولم يوقع عليه كتابة ، فانه لا يلتزم بما ورد فيه من بنود وشروط ، ومنها شرط التحكيم ، ومن ثم فانه لا يجوز للمقاول الاصلى ان يطلب من هيئة التحكيم إدخال المقاول من الباطن فى التحكيم القائم بينه وبين رب العمل استنادا لحكم المادتين / 117 ، 118 من قانون المرافعات المدنية والتجارية ، فالتحكيم هو أمر أتفاقى لا مجال فيه لا للتدخل ولا للإدخال ، وبطبيعة الحال فان ذات الحكم يسرى بالنسبة لهيئة التحكيم فلا يجوز فها من تلقاء نفسها إدخال المقاول من الباطن فى النزاع القائم أمامها بين المقاول الاصلى ورب العمل .
ولكن يجب ان يلاحظ انه اذا لم يكن لهيئة التحكيم الحق فى إدخال المقاول من الباطن كخصم فى الدعوى القائمة بين المقاول الاصلى ورب العمل ، الا أنها تستطيع ان تستدعيه كشاهد فى الدعوى اذا كان من شأن شهادته إظهار وجه الحق فى الدعوى ، وذلك إعمالا لحكم المادة / 37 من قانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994 والتى تنص على ان :
” يختص رئيس المحكمة المشار اليها فى المادة / 9 من هذا القانون يناء على طلب هيئة التحكيم بما يأتى:
- الحكم على من يتخلف من الشهود عن الحضور او يمتنع عن الإجابة بالجزاءات المنصوص عليها فى المادتين / 78 ، 80 من قانون الإثبات فى المواد المدنية والتجارية ” .
- ………………………..
ونقتضى هذه المادة ان لهيئة التحكيم الحق فى سماع من تراه من الشهود ، اذا كان فى ذلك إظهارا لوجه الحق فى الدعوى التى تنظرها ، وهذا الامر مستفاد بحكم اللزوم العقلى والمنطقى من النص المذكور ، حيث ان هذا النص قد أعطى لرئيس محكمة المادة / 9 سلطة توقيع الجزاءات المقررة قانونا على من يتخلف من الشهود عن الحضور او يمتنع عن الإجابة ، ويمارس رئيس المحكمة تلك السلطة بناء على طلب هيئة التحكيم . فهذا معناه ببساطة ان من حق هيئة التحكيم استدعاء من تراه من الشهود لسماعهم ، واذا امتنعوا عن الحضور او عن الاجابة على الأسئلة الموجهة اليهم ، لجأت هيئة التحكيم الى رئيس محكمة المادة /9 لإجباره على الحضور او الاجابة ، وهذا وجه من أوجه مساعدة القضاء للتحكيم .
(أنظر الدكتور / رضا السيد عبد الحميد ، تدخل القضاء فى التحكيم بالمساعدة والرقابة ، طبعة سنة 2000 ، دار النهضة العربية ) .
الفرض الثانى : أن يتضمن عقد المقاولة من الباطن شرط تحكيم ويخلو منه عقد المقاولة الاصلى :
والفرض هنا ان عقد المقاولة من الباطن المبرم بين المقاول الاصلى والمقاول من الباطن يتضمن شرطا تحكيميا ، فى حين ان عقد المقاولة الاصلى المبرم بين رب العمل والمقاول الاصلى قد جاء خاليا ، وأثير بشأنه تفسير بنود عقد المقاولة من الباطن او تنفيذها منازعات تم طرحها على التحكيم ، فهل يجوز للمقاول الاصلى ، باعتباره طرفا فى عقد المقاولة الاصلى ، ان يدخل رب العمل خصما فى هذا التحكيم ؟ .
نحيل فى الاجابة على هذا السؤال ما سبق ان أوضحناه فى خصوص الفرض الاول .
الفرض الثالث : ان يتضمن كل من عقد المقاولة الاصلى وعقد المقاولة من الباطن شرطا تحكيميا :
والفرض هنا ان كلا من عقدى المقاولة الاصلى والمقاولة من الباطن قد تضمنا شرطا تحكيميا ، وثار بشأن اى منهما نزاع ثم طرحه على التحكيم إعمالا لهذا الشرط ، فهل يجوز التمسك بهذا الشرط فى مواجهة طرفى العقد الاخر وإدخالهم فى التحكيم ام لا ؟
هناك فرض يتعين استبعاده من نطاق البحث لانه لا يثير صعوبة فى مسألة مد شرط التحكيم من عقد المقاولة الاصلى الى عقد المقاولة من الباطن ، والعكس ، ويتمثل هذا الفرض المستبعد من الدراسة فى أن يكون شرط التحكيم الوارد فى طلا العقدين قد أحال لشرط التحكيم الوارد فى العقد الآخر ، فهنا نكون امام شرط تحكيم متعدد الاطراف ، حيث ان تلك الإحالة على شرط التحكيم من عقد الى عقد قد جعله جزء من العقدين معا ، ويلتزم به أطرافهما ، ومن ثم فلا مجال للحديث عن مد شرط التحكيم من عقد لآخر فى هذا الفرض .
اما عن الفرض الذى سنتعرض له فى هذا النطاق فيتمثل فى وجود شرط تحكيم فى عقد المقاولة الاصلى ، وشرط تحكيم فى عقد المقاولة الاصلى ، وشرط تحكيم فى عقد المقاولة من الباطن ، والشرطان مستقلان عن بعضهما ولم يحل اى منهما على الاخر . ففى مثل هذا الفرض توجد عدة حالات هى :
الحالة الاولى : ان يثور نزاع عن تنفيذ عقد المقاولة من الباطن ويطرح على التحكيم :
قد ينشب النزاع بين المقاول الاصلى والمقاول من الباطن ويتم طرحه على التحكيم إعمالا لشرط التحكيم الوارد فى عقد المقاولة من الباطن ، وأثناء نظر التحكيم طلب المقاول الاصلى إدخال رب العمل فى التحكيم القائم تمسكا بشرط التحكيم الوارد فى عقد المقاولة الاصلى المبرم بينه وبين رب العمل ، فهل يجوز له ذلك ؟ ، وبالمثل قد يطلب المقاول من الباطن إدخال رب العمل فى التحكيم متمسكا بالدعوى غير المباشرة باعتبار ان رب العمل يعتبر مدين مدين المقاول من الباطن ، فهل يجوز له ذلك ؟.
نحن نرى ان الاجابة على هذين السؤالين تكون بالنفى ، ولكن استنادا على أساسين قانونيين مختلفين .
ففيما يتعلق بطلب المقاول الاصلى إدخال رب العمل فى التحكيم القائم بين المقاول الاصلى والمقاول من الباطن لوجود شرط التحكيم بين رب العمل والمقاول الاصلى ، فإننا نرى ان من حق المقاول الاصلى ان يطلب رب العمل الى التحكيم ولكن ليس كخصم فى التحكيم القائم بينه وبين المقاول من الباطن وإنما فى تحكيم آخر مستقل عن التحكيم المنظور بينه وبين المقاول من الباطن ، وذلك لسببين :
الاول : ان شرطى التحكيم الواردين فى عقدى المقاولة من الباطن والمقاولة الاصلى مستقلان عن بعضهما البعض ولم يحل اى منهما على الاخر ، ولكل منهما نطاقه من حيث الموضوع يختلف عن الاخر ، والثانى : وهو الأهم ان القول بجواز إدخال رب العمل فى التحكيم القائم معناه انه سيعرض عليه المحكم المسمى من المقاول الاصلى ، وهذا يتنافى مع الحق المقرر لكل محتكم فى ان يسمى محكمه ، واذا أعطى الحق لرب العمل فى اختيار محكمه فسنكون امام صعوبتين عمليتين الاولى : ان هيئة التحكيم ستكون مشكلة من عدد أربعة محكمين ، وهذا عدد زوجى يخالف حكم المادة / 15 فقرة (2) من قانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994 التى تقضى بأنه اذا تعدد المحكمون وجب ان يكون عددهم وترا و الا كان الحكيم باطلا .
والثانية : انه اذا قيل بجواز تعيين محكم رابع من قبل رب العمل وإتاحة الفرصة للمحكمين بأن يختاروا محكما خامسا ليصيح العدد وترا ، فمن الذى يتولى اختياره من المحكمين ، هل المحكمون الثلاثة دون رئيس هيئة التحكيم ام سيشرك رئيس هيئة التحكيم فى هذا الاختيار ، رغم مخالفة ذلك لمركزه القانونى ، واذا أختار المحكمون الثلاثة المحكم الخامس ، فماذا سيكون مركزه القانونى فى هيئة التحكيم ، فى الوقت الذى يرأس الهيئة احد أعضائها و ليس أثنين من أعضائها .
ونحن نرى ، إزاء كل تلك الصعوبات العملية ، والتى لم تأت أية نصوص بشأنها فى قانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994 ، ولا توجد أحكام قضائية بخصوصها ، ان الحل الذى يتعين أتباعه ، اذا رغب المقاول الاصلى فى طلب رب العمل الى التحكيم ان يكون ذلك فى تحكيم قائم بذاته ومستقل عن التحكيم القائم بين المقاول الاصلى والمقاول من الباطن .
وقد يحاج فى ذلك بمسألة احتمال تضارب الاحكام الصادرة فى هذين التحكيمين ، الا ان هذا مردود عليه بأن حكم التحكيم الذى يصدر اولا يحوز حجية امام هيئة التحكيم الاخرى .
الحالة الثانية : ان يثور نزاع عن عقد المقاولة الاصلى ويطرح على التحكيم :
قد ينشب نزاع بين المقاول الاصلى ورب العمل نتيجة إخلال اى منهما بتنفيذ بنود عقد المقاولة الاصلى ، ويتم طرح هذا النزاع على التحكيم إعمالا لشرط التحكيم الوارد فى هذا العقد ، ويرغب المقاول الاصلى إدخال من الباطن فى هذا التحكيم متمسكا بشرط التحكيم الوارد بعقد المقاولة من الباطن المبرم بينهم ، فهل يجوز له ذلك ؟ .
نحيل فى الاجابة على هذا السؤال على ما سبق ان أوضحناه من مناقشات فى الفرض الاول .
الحالة الثالثة : تمسك المقاول من الباطن بشرط التحكيم الوارد فى عقد المقاولة الاصلى ضد رب العمل :
الفرض هنا انه لا يوجد تحكيم قائم لا بشأن عقد المقاولة الاصلى او المقاولة من الباطن . ويرغب المقاول من الباطن فى مقاضاة رب العمل لمطالبته بالديون التى له فى ذمة المقاول الاصلى ، فهل يجوز للمقاول من الباطن التمسك فى مواجهة رب العمل بشرط تحكيم الوارد فى عقد المقاولة الاصلى المبرم بين رب العمل والمقاول الاصلى ؟
نستعرض الاجابة على هذا السؤال فى أمرين :-
الامر الاول : رجوع المقاول من الباطن على رب العمل بموجب الدعوى غير المباشرة :
ذكرنا فيما سلف انه من حيث الأصل لا توجد علاقة تعاقدية مباشرة بين المقاول من الباطن ورب العمل ، والعلاقة بينهم علاقة غير مباشرة ، واذا أراد احدهما ان يرجع على الاخر لمطالبته بتنفيذ التزاماته فلا يكون ذلك الا عن طريق المقاول الاصلى ، مستعملين فى ذلك أسمه ، تطبيقا لقواعد الدعوى غير المباشرة . فيجوز للمقاول من الباطن رفع دعوى غير مباشرة باسم المقاول الاصلى على رب العمل باعتبار هذا الأخير مدين لمدينه و هو المقاول الاصلى .
واذا كان رجوع المقاول من الباطن على رب العمل بموجب دعوى قضائية غير مباشرة لا يثير صعوبة ، فهل يجوز للمقاول من الباطن ان يرفع دعوى تحكيمية غير مباشرة على رب العمل ؟ .
نحن نرى ان الامر أيضا لا يثير صعوبة فى هذه الحالة وذلك لان المشرع عندما قرر للدائن حق رفع دعوى غير مباشرة على مدين مدينه مستعملا اسم مدينه لم يقصر تلك الدعوى على الدعوى القضائية دون الدعوى التحكيمية ، فالمادة / 235 من القانون المدنى عندما قررت ان لكل دائن ان يستعمل باسم مدينه جميع حقوق هذا المدين ، لم يخرج من هذه الحقوق سوى تلك المتصلة بشخص المدين وتلك التى لا يجوز الحجز عليها والحق فى رفع الدعوى ليس من بينها . ومن ثم فان وجود شرط تحكيم فى عقد يربط بين هذا المدين وغيره ، يعطى حقا للمدين فى رفع دعوى تحكيمية ، وهذا الحق يستطيع دائن ان يستعمله فى مواجهة مدين مدينه بموجب الدعوى التحكيمية غير المباشرة اذا توافرت شروط اللجوء اليها والمقررة بموجب حكم المادة / 235 فقرة (1) من القانون المدنى .
(أنظر د. مصطفى الجمال ، د. عكاشة عبد العال . التحكيم فى العلاقات الخاصة الدولية والداخلية . طبعة 1998 صفحة 488 ) .
وفضلا عن ذلك ، فان حق الدائن ، وهو فى فرضنا المقاول من الباطن ، فى رفع دعوى تحكيمية غير مباشرة على مدين مدينه وهو فى فرضنا رب العمل ، مستعملا أسم مدينه وهو فى فرضنا المقاول الاصلى ، فلا يعد الحق فى رفع هذه الدعوى بمثابة مد حقيقى لشرط التحكيم الوارد فى عقد المقاولة الاصلى الى عقد المقاولة من الباطن ، لان المقاول من الباطن لا يستعمل فى رفع هذه الدعوى حقا له شخصيا ولا يرفعها باسمه ولكنه يستعمل حقا مقررا للمقاول الاصلى بموجب شرط التحكيم الوارد فى عقد المقاولة الاصلى ، ويعتبر المقاول من الباطن نائبا عن المقاول الاصلى فى استعمال هذا الحق إعمالا لحكم المادة / 235 فقرة (2) من القانون المدنى التى تنص على ان :
” يعتبر الدائن فى استعمال حقوق مدينه نائبا عن هذا المدين ، وكل فائدة تنتج عن استعمال هذه الحقوق تدخل فى أموال المدين وتكون ضمانا لجميع دائنيه ” .
الامر الثانى : رجوع المقاول من الباطن على رب العمل بموجب الدعوى المباشرة :
هناك فرض قد يثير تساؤلا ، هو هل يجوز للمقاول من الباطن الرجوع على رب العمل بموجب دعوى مباشرة للمطالبة بحقوقه فى ذمته ؟ .
ان السبب فى إثارة هذا التساؤل هو حكم المادة / 662 فقرة (1) من القانون المدنى ، والتى تجيز استثناء من الأصل العام ، للمقاول من الباطن ان يرفع دعوى مباشرة على رب العمل لمطالبته بما لا يجاوز القدر الذى يكون مدينا به للمقاول الاصلى وقت رفع الدعوى ، فهل معنى هذا النص ان للمقاول من الباطن ، استنادا لشرط التحكيم الوارد فى عقد المقاولة الاصلى ان يرفع دعوى تحكيمية مباشرة على رب العمل ؟.
الاجابة على هذا التساؤل تكون بالنفى ، ذلك لان الحق المقرر للمقاول من الباطن فى رفع دعوى مباشرة ضد رب العمل مصدره نص القانون فى المادة / 662 من القانون المدنى المشار اليها ، حيث يستعمل فيها اسمه الشخصى وليس اسم مدين مدينه ، و حيث ان المقاول من الباطن ليس طرفا فى شرط التحكيم الوارد فى العقد المبرم بين رب العمل والمقاول الاصلى فلا يجوز له التمسك به لرفع دعوى مباشرة باسمه الشخصى ، ومن ثم فلا يكون اما المقاول من الباطن ، إعمالا لحكم المادة / 662 المذكورة الا رفع دعوى قضائية وليس دعوى تحكيمية .
تم بحمد الله