الطبيعة القانونية لعقود البناء والتشغيل ونقل الملكية
الأستاذ الدكتـــــــور
مصـــطفى محمود عفيـــــــــــفي
أستــــــاذ ورئيس قســم القانــون العــام-العميد الأسبــق
لكلية الحقــــوق – جامعة طنـــــطا
مقدمة عامة
******************
* اختلفت أراء الفقه القانونى ازاء تحديد “الطبيعة القانونية لعقود البناء والتشغيل ونقل الملكية “بحيث وصل البعض منها الى حد وصفه لتلك العقود بأنها تعبير عن نظام قانونى متعدد الاطراف والاتفاقات ، على حين أيد البعض الاخر الاتجاه القائل بتماثل تلك العقود فى طبيعتها مع عقود التزام إدارة المرافق العامة او على الاقل اقترابها من حيث تشابه عناصرها مع تلك العقود ، هذا فى الوقت الذى تمسك جانب أخير من ذلك الفقه القانونى بإثبات الطبيعة الخاصة لتلك العقود ومن ثم إخضاعها بشان الاحكام المطبقة عليها لقواعد القانون الخاص .
ونحن من جانبنا وحسما لهذا الجدل الفقهى – الذى لا يعنينا بصدد هذا البحث الزج بأنفسنا فى خضمه نقرر ان ثمة أوجه لاتنكر للتشابه فيما بين كل من عقود الالتزام الإدارية المستقر على طبيعتها تلك تقليديا وبين عقود البوت ، وتلك المتعلقة بورود كل من النوعين من العقود فى محله على (إدارة من المرافق العامة للدولة ) من جانب ، فضلا عن التزام احد الأشخاص القانونية المعنوية الخاصة بتشغيل وإدارة هذا المرفق تحت مسئوليته والتزامه بأداء خدماته لجماهير النفع العام من جانب اخر.
غير ان هذا التشابه فيما بين كلا من النوعين من العقود لا يصل الى حد إثبات التماثل والتطابق فيما بينهما او الى حد القول بان عقود الإنشاء والتشغيل ونقل الملكية تعبر عن الصورة التطبيقية المعاصرة او الحديثة لعقود التزام إدارة المرافق العامة، وما ذلك الا بسبب ماهو ثابت ومعترف به من (عدم حصول الدولة على عائد دوري من المتعاقد معها فى مقابل تخويلها له حق تشغيل وإدارة هذا المرفق وتحصيل رسوم اداء خدماته من جماهير المنتفعين به) ، وانما على العكس فانه يكون ملتزما فى عقد البوت بان يقوم فى نهاية مدة العقد بنقل ملكية المرفق الذى قام بإنشائه بأمواله الخاصة وتشغيله بعماله التابعين اليه الى الدولة بعد أدارته له لمدة زمنية محددة متفق عليها سلفا تكفل له الحصول على ما أنفقه فى سبيل إنشائه فضلا عن الأرباح التى استهدف الحصول عليها من وراء ذلك بموجب هذا العقد الذى قام بإبرامه مع الدولة .فاذا ما انتقلنا من إطار هذا الجدل حول الطبيعة القانونية المحددة لعقود البوت الى حيث الأسباب الدافعة الى تناول منازعاته متوقعة الحدوث بالبحث فى وسائل حسمها وتسويتها عند نشوبها فيما بين أطرافه، لوجدنا المبرر الاول لذلك متمثل فى الطفرة الهائلة التى تشهدها الدول فى الوقت الحالى من الانكباب المتزايد على تبنى تلك الصيغة العقدية فى إدارة مرافقها العامة المتعلقة بالبنية الأساسية لمجتمعاتها بعد ان تراجع للأسباب التمويلية الضخمة التى أرهقت ميزانيتها وخلقت حاجزا ضخما لا يستهان به فيها هدد مصداقيتها فى القيام بأداء الخدمات العامة الأساسية لمواطنيها بالتوقف والشلل. ومن ثم وجدت فى أسلوب عقود البوت الوسيلة الملائمة المتاحة لاستمرار التنموية العامة اضافة الى المبرر الثانى الممتثل فى تشابك وتعقد أنواع المنازعات الناشئة عن تلك العقود بسبب تنوع وتعدد أطراف علاقاتها الممثلين فى كل من الدولة والشخص القانونى الخاص والمنتفعين بخدمات تلك المرافق .
لذلك كان من المتعين على رجال القانون والمشتغلين به ان يدلوا بدأهم فى هذا المجال إسهاما من جانبهم فى التخلص من كافة الصعوبات التى تعرض سبيل إنجاح هذا الأسلوب المستحدث من أساليب التعاقد الادارى النفعي العام، من خلال طرح الحلول الملائمة لحسم ما قد ينشا عنه من منازعات فيما بين أطرافه وتسويتها فى إطار من الحرص على العدالة والرعاية لمصالح هذه الاطراف جميعها.
هذا ولقد رأينا – من اجل تغيطة مختلف موضوعات هذا البحث بجوانبه المتشبعة – ان نغض الطرف عن اولويات ومبادىء البحث فى تعريف وأركان وأنواع (عقود الانتشاء والتشغيل ونقل الملكية ال B.O.T ، لكى نركز الضوء على بيان أهم معالم النظام القانونى الواجب التطبيق بصدد تسوية المنازعات الناشئة عنها شاملا ذلك القواعد النظرية الحاكمة لتسوية المنازعات المتعلقة بنشأة وتشغيل ونقل ملكية المرافق العامة محل تلك العقود ،وما يتضمنه ذلك من تحديد وبيان نافى للجهالة والتزامات كافة أطرافها ، فضلا عن بيان وتحديد المبادىء القضائية واجبة الاتباع بشان حسم وتسوية ما قد ينشا من منازعات عن تلك العقود.
ولكى نختم فى نهاية المطاف الحديث عن النظام القانونى لتسوية منازعات هذه لتلك العقود ببيان ام النتائج المستخلصة من استعراض كافة أركان وجوانب هذا النظام على لنحو المطبقة عليه وصولا الى اهم المقترحات الفقهية الأكثر ملاءمة ومناسبة للتطبيق فى الحالتين ولتعظيم الاستفادة ن تلك العقود بتدعيم ايجابياتها من جانب والتخلص من سلبياتها من جانب اخر.
فى ضوء ذلك قسمنا خطة البحث الماثل الى قسمين متقابلين افردنا احدهما لبيان (القواعد النظرية واجبة التطبيق بشان تسوية المنازعات الناشئة عن عقود البناء والتشغيل ونقل الملكية ال B.O.T ) ، وخصصنا الأخر لتحديد أهم(الأساليب القضائية وغير القضائية لتسوية المنازعات الناشئة عن عقود البناء والتشغيل ونقل الملكية ال B.O.T ) ، وذلك على النحو ما سيرد تفصيلا بين دفتي هذين القسمين من المسائل البحثية المتعلقة بهما.
لباب الاول
القواعد القانونية النظرية لتسوية المنازعات الناشئة عن عقود البوت
ان تحديد نوعية القواعد القانونية واجبة التطبيق بشان تسوية منازعات عقود البناء والتشغيل ونقل الملكية ال B.O.Tيعتمد أساسا وبحسب الأصل على تحديد الطبيعة القانونية لتلك العقود ) وهو الامر الذى تنطلق منه قاعدة التشابه وليس التماثل فيما بين كلا من عقود التزام إدارة المرافق العامة وعقود البوت ، بما يعنى ان تلك القواعد تضم فى جانب منها النوع القانونى الادارى العام، وفى جانب اخر النوع القانونى الخاص وذلك تبعا لاختلاف نوع الرابطة العقدية التى تجمع فيما بين الاطراف العديدة لعقود البوت والممثلين فى الإرادة المتعاقدة من جانب اول والشخص القانونى الخاص من جانب ثان والمنتفعين بخدمات المرفق العام الذى تتم أدارته وتشغيله من جانب ثالث. وسائر الأشخاص القانونية الاخرى ذات العلاقة بانتشاء او تسيير المرفق العام وأداء خدماته من جانب رابع وهو ما يؤكد تعدد وتنوع طائفة العقود المندرجة تحت عباءة هذه الطائفة المستحدثة من عقود ادارةالمرفق العامة.
ومن هنا فان تعدد وتنوع أطراف وعلاقات عقود البوت، وبالتبعية وتنوع روابطهم العقدية وانتمائها أحيانا الى دائرة القانون الادارى العام وأحيانا اخرى الى دائرة القانون العادى الخاص يحتم بالتبعية التسليم بالطبيعة القانونية المختلطة للقواعد القانونية النظرية المطبقة بشان تلك العقود ، والتى يعنينا من بينها تلك المتعلقة بتسوية ما قد ينشا عن تشييد وتشغيل ونقل ملكية المرفق الواردة عليه من منازعات.
الفصل الاول
القواعد القانونية النظرية لتسوية المنازعات بين الدولة والشخص القانونى الخاص يمكن ان تنشا بصدد الرابطة التعاقدية بين جهة الادارة مانحة العقد وبين الشخص القانونى الخاص بموجب المحرر التعاقدي بإنشاء وإدارة المرفق للمدة الزمنية المتفق عليها ثم بنقل ملكيته الى لدولة عند انقضائها ، ويمكن ان تنشا أنواعا ثلاثة للمنازعات المتعين تحديد القواعد القانونية المطبقة بشان حسمها ، هى من ناحية أولى المنازعات الخاصة بإنشاء المرفق العام محل التعاقد ، ومن ناحية ثانية المنازعات المتعلقة بتشغيله وأدارته لأداء خدماته للمنتفعين به، ومن ناحية ثالثة النازعات المتصلة بنقل ملكية المرفق العام عند حلول الاجل المحدد سلفا بالمحرر التعاقدي الى الدولة ممثلة فى الجهة الإدارية المتعاقدة.
والسؤال المطروح للإجابة عليه هنا ذو شقين احدهما خاص بنوعية تلك القواعد وما اذا كانت تندرج فى عداد قواعد القانون الادارى العام بأنواعها الثلاثة مجتمعة ام فى البعض منها دون البعض الاخر ، ام انها تنخرط – على العكس من ذلك – فى إطار قواعد القانون العادى الخاص الحاكم لروابط الإفراد فيما بعضهم البعض ، ام العامة والعادية الخاصة على اختلاف فى نسب تبنى العقد لهما.
واما الشق الاخر والمترتب بالتبعية على الاول فيتعلق بطائفتي الحقوق والالتزامات المتبادلة بين الطرفين الادارى المانح للعقد والخاص القائم بتنفيذه ، وما اذا كان المبدأ المطبق بشأنها هو المساواة التامة فيما بين الطرفين دون تمييز احدهما على الاخر ام على العكس من ذلك انفراد الطرف الادارى دون الطرف الخاص بطائفة من الامتيازات والحصانات السيادية .
المبحث الاول
القواعد القانونية المطبقة بشان تسوية منازعات أنشاء المرفق وتشغيله ونقل ملكيته .
من المنطقي والبديهي فى الوقت نفسه ان تنصب عقود البوت على نوعية محددة من المرافق العامة للدولة تلك الموصوفة بكونها مرافق اقتصادية تجارية كانت ام صناعية يتوافر بشأنها خصيصة (تقديم الخدمة النفعية العامة مدفوعة الأجر) دون تلك المرافق ذات الطبيعة الإدارية غير مدفوعة الأجرة ، ويرجع السبب أساسا فى ذلك الى حتمية وجود المقابل المادى المحقق للربح فى النوع الاول من تلك المرافق دون الاخير منها، والذى يمثل الدفع الحقيقى من وراء أقدام الأشخاص القانونية الخاصة على ابرام تلك العقود مع الدولة المانحة وتأييد نفقات الإنشاء والتشغيل لمرافقها ثم نقل ملكيتها فى النهاية الى الدولة دون مقابل او عوض.(1)
وبصفة عامة فان فلسفة تحديد القواعد المطبقة بشان حسم منازعات انتشاء وتشغيل ونقل ملكية المرفق محل العقد يحكمها اصل عام مؤ اده ضرورة تحقيق مبدأ الموازنة فيما بين مصلحة الطرف الادارى العام (الدولة ) فى ضمان أداء هذا المرفق لخدماته بصورة دائمة ومنتظمة وتحقيقه لاعتبارات المنفعة العامة ومصالح المنتفعين به كما لو كانت الدولة هى نفسها القائمة على امر انتشائه وتشغيله، فضلا عن ضمان مصلحة المتعاقد الاخر فى تحقيقه للعائد المالى او الربح المستهدف من وراء تكبده نفقات الإنشاء والتشغيل ثم التنازل عنه دون مقابل بعد انتهاء الاجل المحدد سلفا لسريان العقد.
المطلب الاول
القواعد القانونية المطبقة بشان تسوية منازعات إنشاء المرفق العام .
تخضع كل من الادارة المانحة والمتعاقد معها بنظام عقد البوت لما ورد بمختلف بنود هذا العقد من والتزمت متبادلة فيما بينهما وذلك تطبيقا للقاعدة الأصولية المستقرة والتى مؤادها ان (العقد شريعة المتعاقدين)، الا انه يمكن فى إطار تطبيق تلك القاعدة الأصولية وفيما يتعلق بتسوية منازعات إنشاء المرفق العام محل العقد وضع أيدينا على مجموعة ثلاث من القواعد المنظمة لتلك العلاقة التعاقدية ينصب على الإنشاء مع التسليم فى الوقت نفسه بامكان اختلافها النسبى الجزئى من عقد الى اخر بسبب عدم وجود اى نظام قانونى عام موحد كامل يتم تطبيقه بصدد عقود البوت.
(اولا): تحمل الشخص القانونى الخاص بالمسئولية الكاملة عن إنشاء المرفق : (ماليا- فنيا- إداريا).
يتمثل موضوع تلك المجموعة من القواعد واجبة الاتباع لحسم منازعات إنشاء المرفق المتعاقد مع الدولة كامل نفقات إنشاء المرفق العام دون إسهام من جانب الدولة فى تلك النفقات اذ ان العبء المالى للإنشاء يتم إلقائه بكاملة على عاتق الشخص القانونى الخاص ، وان غاية ما يمكن- بموجب المحرر التعاقدي – تكليف الدولة بتحمله فى هذا الصدد لا يتجاوز مجرد منح التسهيلات والتراخيص الإدارية الميسرة لإتمام أعمال المرفق وتهيئته لممارسة نشاطه وإعماله، وهو ما يضمن للدولة فى الوقت ذاته إتمام إنشاء المرفق المنشود من ورائه والمتمثل فى أداء الخدمة النفعية العامة لجماهيرها على والوجه الأكمل.
هذا يمثل ذلك العنصر من عناصر التنظيم القانونى لتسوية منازعات عقد البوت فى مرحلة الإنشاء للمرفق محل التعاقد أهم نقاط التمايز والاختلاف فيما بين أسلوب عقد الالتزام التقليدية فى إدارة المرافق العامة وأسلوب عقد الإنشاء والتشغيل ونقل الملكية ال B.O.T ) اذ يعفى هذا الخير الدولة وبالكامل من كافة المسئوليات والأعباء المالية المتعلقة بإنشاء المرفق العام محل التعاقد مع ضمان إنشائه وفقا للضوابط والشروط التى تقررها فى الوقت نفسه لضمان أداء الخدمة النفعية المستهدفة من ورائه على الوجه الأكمل(2)
(1)من بين أهم نماذج العقود المبرمة بين الدولة والأشخاص القانونية الخاصة لإنشاء وتشغيل ونقل ملكية المرافق العامة الاقتصادية ذات العائد او الربح بنظام البوت.
– أنشاء المطارات والموانيء البحرية وتوسيعها وتطويرها.
– أنشاء محطات الطاقة الكهربائية والشمسية والغاز الطبيعى.
– أنشاء خطوط السكك الحديدية بين المحافظات.
- أنشاء ومد شيكات المياه والصرف الصحي .
- أنشاء ومد الطرق العامة بين المحافظات.
- قطاع المواصلات والاتصالات .
- يلاحظ من النماذج سالفة الذكر ان عقود البوت لا ترد على المرافق العامة الإدارية التى تتسم بالخدمات النفعية العامة القائمة بأدائها بكونها مجانية بغير مقابل مالى اى غير مدرة للربح وهو امر لا يحقق للشخص القانونى الخاص هدف تغطية ما تكبده من نفقات لانتشاء المرفق وتشغيله ثم التنازل عن ملكيته دون مقابل للدولة.
(2) ” تتمثل مسئولية المتعاقد مع الادارة فى عقد الالتزام فى ضمان المحافظة على المرفق وصيانته إناء تشغيله، دون ان تنطوي تلك المسئولية على إنشاء المرفق او تمويله.
( ثانيا ) منح الشخص القانونى الخاص الامتيازات السيادية اللازمة لإنشاء المرفق:
هناك طائفة من القواعد القانونية المدرجة فى إطار المحرر التعاقدي لعقود البوت يتم تخصيصها لتقرير منح الشخص القانونى الخاص بعض الامتيازات والحصانات السيادية للدولة تمكينا له من إتمام عملية إنشاء المرفق وتهيئته لأداء نشاطه النفعي العام وذلك بطبيعة الحال وفقا للشروط والضوابط والحدود المتفق عليها فى ذلك المحرر التعاقدي .ويعد من أهم تلك الامتيازات والحصانات السيادية تخصيص الأماكن الأكثر ملائمة لإنشاء المرفق العام وتشغيله ، والإعفاءات المالية الضريبية المقررة عند الإنشاء والتشغيل ، فضلا عن ضمان عدم قابلية اموال المرفق بسائر أنواعها العقارية والمنقولة وأجهزته ومعداته للحجز عليها او التنفيذ المادى الجبرى ،وبالإضافة الى التمتع بمختلف حقوق الانتفاع والارتفاق المقررة للدولة بشان إنشاء وتشغيل المرافق العامة واستثمار موارد الثروة الطبيعية وبحيث يستتبع إخلال الدولة بأى من التزاماتها تلك تقرير مسئوليتها فى مواجهة الشخص القانونى الخاص والتزامها بالتعويض عما لحقه من أضرار او تكبده من نفقات فى هذا الصدد كان من شان تمتعه بها إعفائه منها.
(ثالثا ) الالتزام بالمحافظة على حقوق الدولة فى ملكية المرفق وصلاحيته المستمرة للاستخدام.
تتمثل الطائفة الثالثة من القواعد المنظمة لتسوية المنازعات الخاصة بإنشاء المرفق محل عقد البوت فى إلزام الشخص القانونى الخاص عند إنشائه باتخاذ كافة التدابير والاجراءات الضامنة لبقاء المرفق على حالته الصالحة لأداء خدماته النفعية العامة والى ان يتم ملكيته الى الدولة بانتهاء الاجل المحدد سلفا لانتفاع المتعاقد مع الدولة بعائداته ومقابل الحصول على خدماته .
وتتيح هذه المجموعة من القواعد للدولة صلاحية فرض رقابتها وإشرافها الادارى والفنى والمالي على إنشاء وتشغيل المرفق طوال مدة استغلاله ضمانا لحقها فى نقل ملكيته اليها بعد انتهاء المدة الزمنية المحددة للعقد.
المطلب الثانى
القواعد القانونية المطبقة بشان تسوية منازعات تشغيل واستغلال المرفق العام
من واقع المشكلات المثارة بشان تشغيل الشخص القانونى الخاص للمرفق العام محل عقد البوت تنبع نوعية القواعد القانونية واجبة التطبيق لتسوية منازعات تلك المرحلة من المراحل الثلاثة لهذا العقد.
وتصدر تلك المشكلات فى الاهمية مشكلتي تحديد مدة التشغيل والاستغلال للمرفق العام، والأشراف الفني على سير أعماله بما يضمن أداء الخدمة النفعية العامة المنشودة من ورائه من جانب فضلا عن صلاحيته للاستمرار فى أداء أعمال عقب تمام نقل ملكيته الى الدولة عند انتهاء الاجل المحدد سلفا لسريانه من جانب اخر.
(اولا ) القواعد القانونية المطبقة بشان تحديد مدة التشغيل والاستغلال:
اختلفت الآراء المنادية بتحديد مدة التشغيل والاستغلال فى عقود البوت فيما بين مؤيد لتقصير هذه المدة قياسا بالمدة المحددة بشان عقود التزام إدارة المرافق العامة ، وبين مؤيد لاستطالة أمدها بحيث تصل او تتجاوز المدة فى القوانين لعقود الالتزام ، وكان الباعث على هذا الاختلاف اما مراعاة مصلحة الدولة فى الفرض الاول، واما مراعاة جانب الشخص القانونى فى الفرض الثانى، وتأسيسا على ذلك فان المعيار الأفضل والأجدر بالتبني فى هذه الحالة انما هو لك المتمثل فى التوفيق فيما بين هاتين المصلحتين المتقابلتين – ولا نقول المتعارضتين- بما مفاده ان يتفق على تحديد هذه المدة وعدم استطالة أمرها بحيث تضمن من جانب نقل ملكية المرفق محل العقد الى الدولة صالحا بصورة تامة ومساوية لما كان عليه عند بدا التشغيل والاستغلال بواسطة الشخص القانونى الخاص حتى يمكن استمراره فى أداء خدماته النفعية على نفس الكفاءة والمستوى الذى نشا عليه وهو ما يعد تحقيقا لعنصر المصلحة العامة ومراعاة لمصالح المنتفعين به فى الوقت نفسه. كذلك ومن جانب اخر ان يؤخذ فى الاعتبار عند تحديد هذه المدة الخاصة بالتشغيل.والاستغلال بضمان مصلحة الشخص القانونى الخاص الذى انشأ المرفق العام وإلزام بتشغيله ونقل ملكيته للدولة المتمثلة هنا فى وضع حد أدنى للمدة الزمنية التى يمكنه خلالها استعادة نفقاته وتكاليفه التى تكبدها عند الإنشاء فضلا عن جنى الأرباح التى قدرها عند لحظة التعاقد مع الدولة من وراء إنشاء المرفق وتشغيله ثم نقل ملكيته الى الدولة بعقب تحقيق تلك الاستفادة المالية المخططة والمحددة سلفا.
هذا ومما لاشك فيه ان القيام بوضع تحديد حسابى لمدة التشغيل والاستغلال – وفقا فى ضوء الاعتبارين سالفى الذكر – لهو امر يتم بنائه على أساس من حساباته مالية بالغة التعقيد والتنوع تعتمد فى المقام الاول على الأسعار السائدة لحظة الإنشاء او إتمام تشييد المرفق العام المعنى ، والثمن المحدد لأداء الخدمة النفعية العامة المكلف بأدائها ، ونفقات التشغيل والصيانة بمخاطرهما المتوقعة الى غير ذلك من العناصر الاخرى كمقابل الاستهلاك لأدوات التشغيل والظروف الاقتصادية المحلية والعالمية للأسعار مما يدخل ى اختصاص الخبراء والمتخصصين الاكتواريين. ومن هنا فان اى تحديد لمدة التشغيل والقاعدة القانونية المقررة لها حسابيا سوف يكون تحكيميا او تقريبيا غير منضبط بصورة كاملة حتى يفرض اتخاذه كمؤشر لذلك التحديد للمدد المقررة سواء فى العقود المماثلة الواردة على مرافق عامة مشابهة للمرفق محل التعاقد ، او حتى بالمقارنة وبالقياس بعقود التزام إدارة المرافق العامة المشابهة .
لذلك فان المقترح الذى نراه بشان تحديد مدة الاستغلال والتشغيل لعقد البوت انما يعتمد على وضع حدين أدنى وأقصى لمدة التشغيل يتم الاتفاق عليهما بين طرفيه الدولة والشخص القانونى الخاص بحيث يتم النقل المرفق العام الى ملكية الدولة عند حلول أيما الأجلين مع التزام فى الحالتين بشرط الصلاحية التامة للتشغيل واستمرار أداء المرفق العام لخدماته عقب نقل ملكيته الى الدولة .
(ثانيا) القاعد القانونية الكفيلة باستمرار صلاحية المرفق العام للتشغيل والاستغلال.
تنصب هذه القواعد فى موضوعها أساسا على تحديد الجهة او الهيئة القائمة بالإشراف والرقابة على حسن سير أعمال المرفق العام الذى دار بأسلوب عقد الإنشاء والتشغيل ونقل الملكية أل B.O.T ، وانتظام أداء خدماته النفعية العامة ، فضلا عن تحديد مختلف بنود وأوجه ذلك الأشراف الادارى والفنى والمالي ووسائل القيام بفرضها وممارسة كافة صلاحياتها.
هذا ومن الثابت انه ليس ثمة تنظيم قانونى موحد بشان تحديد تلك القواعد فى عقود البوت، وهو الامر الذى ادى الى تعدد وتنوع التنظيمات القاعدية لضمان استمرار صلاحية المرفق العام للتشغيل والاستغلال طوال مدة سريان العقد المتفق عليها فيما بين الدولة والشخص القانونى الخاص ، وفى الإطار الاتفاقى المبرم فيما بينهما وفقا لطبيعة المرفق المعنى والخدمة المؤداه من جانب ، وفى ضوء كل من الحقوق والالتزامات المتبادلة الواردة بنصوص ذلك الاتفاق من جانب اخر.
التزامات الشخص القانونى:
- المحافظة على المرفق وما عليه من مبان ومنشات ، وما يحتويه من أجهزة ومعدات مخصصة للاستعمال بحيث تظل صالحة لذلك الاستعمال على نحو مستمر الى ما بعد نقل ملكيته الى الدولة ، وتقديم التقارير الدورية الخاصة اليها بذلك تباعا (1).
- تنفيذ كافة الاشتراطات التى تضعها السلطة القائمة بالأشراف على المرفق وأداء خدماته ، ما تصدره من قرارات او توجيهات فى مختلف النواحي الإدارية والفنية والمالية على امتداد فترات ومراحل التشغيل والاستغلال الى الشخص القانونى الخاص ، والضامنة لتحقيق الأهداف التى انشىء المرفق المعنى من اجل تحقيقها.(2)
- الالتزام بكافة منصت عليه القوانين الادارة بشان تشغيل واستعمال المرفق وأداء الخدمة النفعية العامة المكلف بأدائها باستثناء ما تم النص فى عقد البوت على إعفاء الشخص القانونى الخاص من الالتزام به، وذلك حال كون تلك النصوص القانونية مكملة غير أمره او غير متعلقة بالنظام العام للدولة ، واما فى حالة اتصاف تلك النصوص بالصفة الآمرة الملزمة او المتعلقة بالنظام القانونى العام للدولة فانه يتعين عدم مخالفتها او الخروج على أحكامها والا أصبح المحرر العقدي المبرم بين الدولة والشخص القانونى الخاص محلا للبطلان.(1)
يجب التزام الشخص القانونى الخاص القائم بتشغيل واستغلال المرفق العام وأداء خدماته وفقا لهذا الالتزام بتطبيق قواعد التجديد والإحلال فى المنشات والأجهزة والآلات والعنصر البشرى المعدة للتشغيل وفى ضوء الظروف المحلية والعالمية المتطورة والمتغيرة بشان نشاط ذلك المرفق وتسيير أعماله ، وبخاصة ان تنفيذ عقد البوت والمدة المحددة له تمتد عادة على ما يزيد على الثلاثين عاما لتصل فى بعض الأحيان الى ما يساوى القرن من الزمان فى بعض أنواع العقود.
- يشمل هذا الالتزام وجوب توفير الشخص القانونى الخاص لكافة قواعد الأمن والتامين للمرفق العام، والتمكين للدولة ممثلة فى الجهاز ا الهيئة بالأشراف والرقابة من التحقيق فى كافة المخالفات وأوجه الخروج على القواعد المتفق عليها او المفروضة بواسطة القوانين ذات الصلة وتحديد مسئولية الشخص القانونى الخاص عنها فضلا عن العاملين فى المرفق.
(2) التزامات الشخص القانونى العام (الدولة ):
أ- منح المتعاقد الاخر الامتيازات المتعلقة بانتشاء وتشغيل المرفق واستغلاله تلك التى تعد ضرورية من اجل تحقيق الأهداف التى تم إنشاء المرفق من اجل تحقيقها ، وأداء الخدمة النفعية العامة من خلالها بصفة عامة ، فضلا عن كافة السلطات والاختصاصات المسندة الى الدولة فى القوانين فى هذا الصدد بصفة خاصة ، وذلك كله بما لا يتعارض مع تم الاتفاق عليه فى عقد الإنشاء والتشغيل ونقل الملكية من شروط.
ب- عدم جواز الحجز التحفظي او التنفيذي على اموال المرفق ومنشاته وأجهزته وأدواته وكافة ما يلزم لسير أعماله وتشغيله طوال مدة تنفيذ العقد والى ان يحل اجل تنفيذ المتعاقد الخاص لالتزامه بنقل ملكيته دون مقابل وبحالة جيدة الى الدولة .
ويلحق بهذا الالتزام – فى إطار مضمونه – تمتع المرفق العام محل التعاقد بكافة والحصانات الامتيازات المقررة للأموال العامة والتى تحميه من مخاطر المصادرة او الاستيلاء ، فضلا عن التسهيلات الإدارية والمالية والفنية التى تضمن الدولة حصول الشخص القانونى الخاص عليها.
ج- إنشاء جهاز للإشراف والرقابة على الإنشاء والتشغيل ونقل الملكية للمرفق العام محل التعاقد بما يضمن للدولة استمراره فى أداء خدماته طوال مدة العقد والى ما بعد تمام نقل ملكيته اليها، وان يشمل اختصاص هذا الجهاز الاشرافى الرقابي كافة النواحي الإدارية والفنية والمالية المتعلقة بالمرفق العام وأداء خدماته.
المبحث الثانى
القواعد القانونية المطبقة بشان تسوية منازعات حقوق والتزامات طرفى العقد
هناك مصدران أساسيان لتحديد كلا من طائفتي الحقوق والالتزامات التبادلية بين طرفى عقود الإنشاء والتشغيل ونقل الملكية الواردة على المرافق العامة فى أدائها للخدمات النفعية العامة المكلفة بتوفيرها لجماهير النفع العام فى المجتمع . اما احدهما فيتمثل وبصورة أساسية فى (المحرر التعاقدي نفسه)،
ويلاحظ من استعراض النماذج الثلاثة التى أوردها لتلك العقود (إنشاء هيئة كهرباء مصر إنشاء وإدارة واستغلال المطارات وأراضي النزول – إنشاء الطرق العامة ) تقرير الالتزام بأحكام القوانين ذات الصلة بتنفيذ تلك العقود الواردة عل موارد الثروة الطبيعية والمرافق العامة سواء منحت قواعدها حقوقا للشخص القانونى الخاص ام حملته بالتزامات أساسيه بصدد تشغيل المرفق العام وأداء خدماته.
- ضرورة التزام القرارات الصادرة من مجلس الوزراء بناء على اقتراح الوزير المختص بمنح عقود البوت بما نصت عليه القواعد والاجراءات المقررة فى قانون الإنشاء والإدارة والاستغلال.
على حين يتمثل الاخر فيما ورد بعموم التشريعات واللوائح ذات الصلة بالمرفق محل الإنشاء وأداء خدماته، والتى تسرى بحق المتعاقدين سواء بناء على نص صريح وارد بذلك فى المحرر العقدي او دون حاجة الى مثل هذا النص لسريانها بسبب تعلقها بالنظام القانونى العام واجب التطبيق على كافة العاقات القانونية للدولة وأشخاصها العامة الدائرة رحاها فى المجتمع دون اى استثناء يرد عليها فى ذلك.
المطلب الاول
القواعد الاتفاقية الأساسية لتسوية المنازعات الواردة بالمحرر التعاقدي:
ان الأساس الذى تستند اليه الواعد الاتفاقية الواردة بعقود البوت والمقررة لتسوية المنازعات التى تنشا فيما بين الدولة والشخص القانونى الخاص المتعاقد معها والتى ترد على طائفتي الحقوق والالتزامات التبادلية لهما، اما يتمثل ى ورود الرضاء بين الطرفين عل ضرورة تلبية تلك القواعد لمبدأ (المحافظة على تحقيق المصلحة العامة وضمان حسن سير المرفق العام وأداء خدماته النفعية العامة من جانب ، فضلا عن عدم الا ضرار بالمصلحة المالية للشخص القانونى الخاص المتمثلة فى تحقيقه للأرباح المقدرة سلفا من أدارته للمرفق وتغطية نفقات الإنشاء والتشغيل التى تكبدها من جانب اخر).
وعلى ذلك فان الطبيعة ” الخاصة ” لعقود البوت – رغم الاعتراف والتسليم بكونه احد أنواع العقود الإدارية – تفرض التسليم بإتاحة المجال لتطبيق بعض القواعد الاتفاقية فى مجال تسوية المنازعات المتعلقة بالحقوق والالتزامات المتبادلة بين الطرفين الى جانب مجموعة القواعد العامة المقررة لتسوية تلك المنازعات فى القانون الادارى والتى تستند فى مجموعها الاختصاص بإصدار القرار الحاسم بشأنها الى القضاء الادارى على نحو ماسوف نوضحه تفصيلا فى المطلب الثانى من هذا المبحث.
واما فيما يتعلق بأهم تلك البنود الاتفاقية المصرح بإيرادها فى المحرر التعاقدي بناء على الرضاء المتبادل بين طرفى العقد وتطبيقا للقاعدة الأصولية المسلم بها من ان “العقد شريعة المتعاقدين ” فيمكن حصر أهمها وأكثرها إتباعا فى تلك العقود فيما يلى:
- شرط اللجوء الى التحكيم بشان تقدير ” التعويض ” المالى المستحق للشخص القانونى الخاص فى حالة استخدام الدولة لحقها فى فسخ العقد باراداتها المنفردة او تعديله بما يخل بالتوازن المالى له على النحو المتفق عليه فيه. ولقد دعا الى السماح بإيراد هذا الشرط الاتفاقى باللجوء للتحكيم ضرورات الموازنة بين المصلحتين العامة للدولة والخاصة للشخص القانونى المتعاقد معها بنظام البوت على الرغم من ان الأصل فى مثل هذه الحالات هو إثبات الاختصاص للقضاء الادارى بإصدار الاحكام المتعلقة بهذه المنازعة باعتبارها من بين المنازعات الإدارية التى أسندت النصوص الدستورية اليه دون غيره الاختصاص بالفصل فيها .
- عدم أحقية الطرف الادارى (الدولة ) ى عقد البوت توقيع غير الجزاءات المقررة ى المحرر التعاقدي والقائم معيار تحديدها والسماح بتوقيعها على ضمان وفاء الشخص القانونى الخاص بالتزاماته المقرة فى العقد. ومن ثم فان اى جزاء لا يتعلق بضمان انتشاء المرفق العام او تسييره على الوجه المتفق عليه او أداء خدماته النفعية العامة عل المستوى اللائق او المطلوب ، او لا يتصل بضمان نقل ملكية المرفق من الشخص القانونى الخاص الى الدولة عند حلول الاجل المحدد لسريان العقد وتنفيذه، لاتملك هذه الأخيرة (اى الدولة ) توقيعه الا عند النص عليه صراحة فى الشروط الاتفاقية محل التراضى فى العقد. وهو ما يعنى فى إيجاز ووضوح تامين ان حق الدولة (الشخص القانونى العام) فى توقيع الجزاءات على الشخص القانونى الخاص المتعاقد معها مستمد من البنود المصرح بها فى الاتفاق فى المحرر التعاقدي ،ومن ثم فهى لاتملك توقيعها فى غيبة ذلك النص الاتفاقى المصرح به، على النقيضين من ذلك فى سائر العقود الإدارية الاخرى بخلاف عقود البوت(1).
الباب الاول
القواعد القانونية النظرية لتسوية المنازعات الناشئة عن عقود البوت
ان تحديد نوعية القواعد القانونية واجبة التطبيق بشان تسوية منازعات عقود البناء والتشغيل ونقل الملكية ال B.O.Tيعتمد أساسا وبحسب الأصل على تحديد الطبيعة القانونية لتلك العقود ) وهو الامر الذى تنطلق منه قاعدة التشابه وليس التماثل فيما بين كلا من عقود التزام إدارة المرافق العامة وعقود البوت ، بما يعنى ان تلك القواعد تضم فى جانب منها النوع القانونى الادارى العام، وفى جانب اخر النوع القانونى الخاص وذلك تبعا لاختلاف نوع الرابطة العقدية التى تجمع فيما بين الاطراف العديدة لعقود البوت والممثلين فى الإرادة المتعاقدة من جانب اول والشخص القانونى الخاص من جانب ثان والمنتفعين بخدمات المرفق العام الذى تتم أدارته وتشغيله من جانب ثالث. وسائر الأشخاص القانونية الاخرى ذات العلاقة بانتشاء او تسيير المرفق العام وأداء خدماته من جانب رابع وهو ما يؤكد تعدد وتنوع طائفة العقود المندرجة تحت عباءة هذه الطائفة المستحدثة من عقود ادارةالمرفق العامة.
ومن هنا فان تعدد وتنوع أطراف وعلاقات عقود البوت، وبالتبعية وتنوع روابطهم العقدية وانتمائها أحيانا الى دائرة القانون الادارى العام وأحيانا اخرى الى دائرة القانون العادى الخاص يحتم بالتبعية التسليم بالطبيعة القانونية المختلطة للقواعد القانونية النظرية المطبقة بشان تلك العقود ، والتى يعنينا من بينها تلك المتعلقة بتسوية ما قد ينشا عن تشييد وتشغيل ونقل ملكية المرفق الواردة عليه من منازعات.
الفصل الاول
القواعد القانونية النظرية لتسوية المنازعات بين الدولة والشخص القانونى الخاص يمكن ان تنشا بصدد الرابطة التعاقدية بين جهة الادارة مانحة العقد وبين الشخص القانونى الخاص بموجب المحرر التعاقدي بإنشاء وإدارة المرفق للمدة الزمنية المتفق عليها ثم بنقل ملكيته الى لدولة عند انقضائها ، ويمكن ان تنشا أنواعا ثلاثة للمنازعات المتعين تحديد القواعد القانونية المطبقة بشان حسمها ، هى من ناحية أولى المنازعات الخاصة بإنشاء المرفق العام محل التعاقد ، ومن ناحية ثانية المنازعات المتعلقة بتشغيله وأدارته لأداء خدماته للمنتفعين به، ومن ناحية ثالثة النازعات المتصلة بنقل ملكية المرفق العام عند حلول الاجل المحدد سلفا بالمحرر التعاقدي الى الدولة ممثلة فى الجهة الإدارية المتعاقدة.
والسؤال المطروح للإجابة عليه هنا ذو شقين احدهما خاص بنوعية تلك القواعد وما اذا كانت تندرج فى عداد قواعد القانون الادارى العام بأنواعها الثلاثة مجتمعة ام فى البعض منها دون البعض الاخر ، ام انها تنخرط – على العكس من ذلك – فى إطار قواعد القانون العادى الخاص الحاكم لروابط الإفراد فيما بعضهم البعض ، ام العامة والعادية الخاصة على اختلاف فى نسب تبنى العقد لهما.
واما الشق الاخر والمترتب بالتبعية على الاول فيتعلق بطائفتي الحقوق والالتزامات المتبادلة بين الطرفين الادارى المانح للعقد والخاص القائم بتنفيذه ، وما اذا كان المبدأ المطبق بشأنها هو المساواة التامة فيما بين الطرفين دون تمييز احدهما على الاخر ام على العكس من ذلك انفراد الطرف الادارى دون الطرف الخاص بطائفة من الامتيازات والحصانات السيادية .
المبحث الاول
القواعد القانونية المطبقة بشان تسوية منازعات أنشاء المرفق وتشغيله ونقل ملكيته .
من المنطقي والبديهي فى الوقت نفسه ان تنصب عقود البوت على نوعية محددة من المرافق العامة للدولة تلك الموصوفة بكونها مرافق اقتصادية تجارية كانت ام صناعية يتوافر بشأنها خصيصة (تقديم الخدمة النفعية العامة مدفوعة الأجر) دون تلك المرافق ذات الطبيعة الإدارية غير مدفوعة الأجرة ، ويرجع السبب أساسا فى ذلك الى حتمية وجود المقابل المادى المحقق للربح فى النوع الاول من تلك المرافق دون الاخير منها، والذى يمثل الدفع الحقيقى من وراء أقدام الأشخاص القانونية الخاصة على ابرام تلك العقود مع الدولة المانحة وتأييد نفقات الإنشاء والتشغيل لمرافقها ثم نقل ملكيتها فى النهاية الى الدولة دون مقابل او عوض.(1)
وبصفة عامة فان فلسفة تحديد القواعد المطبقة بشان حسم منازعات انتشاء وتشغيل ونقل ملكية المرفق محل العقد يحكمها اصل عام مؤ اده ضرورة تحقيق مبدأ الموازنة فيما بين مصلحة الطرف الادارى العام (الدولة ) فى ضمان أداء هذا المرفق لخدماته بصورة دائمة ومنتظمة وتحقيقه لاعتبارات المنفعة العامة ومصالح المنتفعين به كما لو كانت الدولة هى نفسها القائمة على امر انتشائه وتشغيله، فضلا عن ضمان مصلحة المتعاقد الاخر فى تحقيقه للعائد المالى او الربح المستهدف من وراء تكبده نفقات الإنشاء والتشغيل ثم التنازل عنه دون مقابل بعد انتهاء الاجل المحدد سلفا لسريان العقد.
المطلب الاول
القواعد القانونية المطبقة بشان تسوية منازعات إنشاء المرفق العام .
تخضع كل من الادارة المانحة والمتعاقد معها بنظام عقد البوت لما ورد بمختلف بنود هذا العقد من والتزمت متبادلة فيما بينهما وذلك تطبيقا للقاعدة الأصولية المستقرة والتى مؤادها ان (العقد شريعة المتعاقدين)، الا انه يمكن فى إطار تطبيق تلك القاعدة الأصولية وفيما يتعلق بتسوية منازعات إنشاء المرفق العام محل العقد وضع أيدينا على مجموعة ثلاث من القواعد المنظمة لتلك العلاقة التعاقدية ينصب على الإنشاء مع التسليم فى الوقت نفسه بامكان اختلافها النسبى الجزئى من عقد الى اخر بسبب عدم وجود اى نظام قانونى عام موحد كامل يتم تطبيقه بصدد عقود البوت.
(اولا): تحمل الشخص القانونى الخاص بالمسئولية الكاملة عن إنشاء المرفق : (ماليا- فنيا- إداريا).
يتمثل موضوع تلك المجموعة من القواعد واجبة الاتباع لحسم منازعات إنشاء المرفق المتعاقد مع الدولة كامل نفقات إنشاء المرفق العام دون إسهام من جانب الدولة فى تلك النفقات اذ ان العبء المالى للإنشاء يتم إلقائه بكاملة على عاتق الشخص القانونى الخاص ، وان غاية ما يمكن- بموجب المحرر التعاقدي – تكليف الدولة بتحمله فى هذا الصدد لا يتجاوز مجرد منح التسهيلات والتراخيص الإدارية الميسرة لإتمام أعمال المرفق وتهيئته لممارسة نشاطه وإعماله، وهو ما يضمن للدولة فى الوقت ذاته إتمام إنشاء المرفق المنشود من ورائه والمتمثل فى أداء الخدمة النفعية العامة لجماهيرها على والوجه الأكمل.
هذا يمثل ذلك العنصر من عناصر التنظيم القانونى لتسوية منازعات عقد البوت فى مرحلة الإنشاء للمرفق محل التعاقد أهم نقاط التمايز والاختلاف فيما بين أسلوب عقد الالتزام التقليدية فى إدارة المرافق العامة وأسلوب عقد الإنشاء والتشغيل ونقل الملكية ال B.O.T ) اذ يعفى هذا الخير الدولة وبالكامل من كافة المسئوليات والأعباء المالية المتعلقة بإنشاء المرفق العام محل التعاقد مع ضمان إنشائه وفقا للضوابط والشروط التى تقررها فى الوقت نفسه لضمان أداء الخدمة النفعية المستهدفة من ورائه على الوجه الأكمل(2)
(1)من بين أهم نماذج العقود المبرمة بين الدولة والأشخاص القانونية الخاصة لإنشاء وتشغيل ونقل ملكية المرافق العامة الاقتصادية ذات العائد او الربح بنظام البوت.
– أنشاء المطارات والموانيء البحرية وتوسيعها وتطويرها.
– أنشاء محطات الطاقة الكهربائية والشمسية والغاز الطبيعى.
– أنشاء خطوط السكك الحديدية بين المحافظات.
- أنشاء ومد شيكات المياه والصرف الصحي .
- أنشاء ومد الطرق العامة بين المحافظات.
- قطاع المواصلات والاتصالات .
- يلاحظ من النماذج سالفة الذكر ان عقود البوت لا ترد على المرافق العامة الإدارية التى تتسم بالخدمات النفعية العامة القائمة بأدائها بكونها مجانية بغير مقابل مالى اى غير مدرة للربح وهو امر لا يحقق للشخص القانونى الخاص هدف تغطية ما تكبده من نفقات لانتشاء المرفق وتشغيله ثم التنازل عن ملكيته دون مقابل للدولة.
(2) ” تتمثل مسئولية المتعاقد مع الادارة فى عقد الالتزام فى ضمان المحافظة على المرفق وصيانته إناء تشغيله، دون ان تنطوي تلك المسئولية على إنشاء المرفق او تمويله.
( ثانيا ) منح الشخص القانونى الخاص الامتيازات السيادية اللازمة لإنشاء المرفق:
هناك طائفة من القواعد القانونية المدرجة فى إطار المحرر التعاقدي لعقود البوت يتم تخصيصها لتقرير منح الشخص القانونى الخاص بعض الامتيازات والحصانات السيادية للدولة تمكينا له من إتمام عملية إنشاء المرفق وتهيئته لأداء نشاطه النفعي العام وذلك بطبيعة الحال وفقا للشروط والضوابط والحدود المتفق عليها فى ذلك المحرر التعاقدي .ويعد من أهم تلك الامتيازات والحصانات السيادية تخصيص الأماكن الأكثر ملائمة لإنشاء المرفق العام وتشغيله ، والإعفاءات المالية الضريبية المقررة عند الإنشاء والتشغيل ، فضلا عن ضمان عدم قابلية اموال المرفق بسائر أنواعها العقارية والمنقولة وأجهزته ومعداته للحجز عليها او التنفيذ المادى الجبرى ،وبالإضافة الى التمتع بمختلف حقوق الانتفاع والارتفاق المقررة للدولة بشان إنشاء وتشغيل المرافق العامة واستثمار موارد الثروة الطبيعية وبحيث يستتبع إخلال الدولة بأى من التزاماتها تلك تقرير مسئوليتها فى مواجهة الشخص القانونى الخاص والتزامها بالتعويض عما لحقه من أضرار او تكبده من نفقات فى هذا الصدد كان من شان تمتعه بها إعفائه منها.
(ثالثا ) الالتزام بالمحافظة على حقوق الدولة فى ملكية المرفق وصلاحيته المستمرة للاستخدام.
تتمثل الطائفة الثالثة من القواعد المنظمة لتسوية المنازعات الخاصة بانشاء المرفق محل عقد البوت فى الزام الشخص القانونى الخاص عند انشائه باتخاذ كافة التدابير والاجراءات الضامنة لبقاء المرفق على حالته الصالحة لاداء خدماته النفعية العامة والى ان يتم ملكيته الى الدولة بانتهاء الاجل المحدد سلفا لانتفاع المتعاقد مع الدولة